المال اسم لكل ما في الدنيا كما قال الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَة ُ الْحَيَواة ِ الدُّنْيَا فمال الإنسان الواحد بالنسبة إلى مال كل الدنيا حقير فكيف يليق به أن يفتخر بذلك القليل والثاني أن يكون المراد منه التعظيم أي مال بلغ في الخبث والفساد أقصى النهايات فكيف يليق بالعاقل أن يفتخر به أما قوله وَعَدَّدَهُ ففيه وجوه أحدها أنه مأخوذ من العدة وهي الذخيرة يقال أعددت الشيء لكذا وعددته إذا أمسكته له وجعلته عدة وذخيرة لحوادث الدهر وثانيها عدده أي أحصاه وجاء التشديد لكثرة المعدود كما يقال فلان يعدد فضائل فلان ولهذا قال السدي وعدده أي أحصاه يقول هذا لي وهذا لي يلهيه ماله بالنهار فإذا جاء الليل كان يخفيه وثالثها عدده أي كثره يقال في بني فلان عدد أي كثرة وهذان القولان الأخيران راجعان إلى معي العدد والقول الثالث إلى معنى العدة وقرأ بعضهم وعدده بالتخفيف وفيه وجهان أحدهما أن يكون المعنى جمع المال وضبط عدده وأحصاه وثانيهما جمع ماله وعدد قومه الذين ينصرونه من قولك فلان ذو عدد وعدد إذا كان له عدد وافر من الأنصار والرجل متى كان كذلك كان أدخل في التفاخر
يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ
ثم وصفه تعالى بضرب آخر من الجهل فقال يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ
واعلم أن أخلده وخلده بمعنى واحد ثم في التفسير وجوه أحدها يحتمل أن يكون المعنى طول المال أمله حتى أصبح لفرط غفلته وطول أمله يحسب أن ماله تركه خالداً في الدنيا لا يموت وإنما قال أَخْلَدَهُ ولم يقل يخلده لأن المراد يحسب هذا الإنسان أن المال ضمن له الخلود وأعطاه الأمان من الموت وكأنه حكم قد فرغ منه ولذلك ذكره على الماضي قال الحسن ما رأيت يقيناً لا شك فيه أشبه بشك لا يقين فيه كالموت وثانيها يعمل الأعمال المحكمة كتشييد البنيان بالآجر والجص عمل من يظن أنه يبقى حياً أو لأجل أن يذكر بسببه بعد الموت وثالثها أحب المال حباً شديداً حتى اعتقد أنه إن انتقص مالي أموت فلذلك يحفظه من النقصان ليبثى حياً وهذا غير بعيد من اعتقاد البخيل ورابعها أن هذا تعريض بالعمل الصالح وأنه هو الذي يخلد صاحبه في الدنيا بالذكر الجميل وفي الآخر في النعيم المقيم
أما قوله تعالى كَلاَّ ففيه وجهان أحدهما أنه ردع له عن حسبانه أي ليس الأمر كما يظن أن المال يخلده بل العلم والصلاح ومنه قول علي عليه السلام مات خزان المال وهم أحياء والعلماء باقون ما بقي الدهر والقول الثاني معناه حقاً لَيُنبَذَنَّ واللام في لَيُنبَذَنَّ جواب القسم المقدر فدل ذلك على حصول معنى القسم في كلا
كَلاَّ لَيُنبَذَنَّ فِى الْحُطَمَة ِ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَة ُ
أما قوله تعالى لَيُنبَذَنَّ فِى الْحُطَمَة ِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَة ُ فإنما ذكره بلفظ النبذ الدال على الإهانة لأن الكافر كان يعتقد أنه من أهل الكرامة وقرىء لنبذان أي هو وماله ولينبذن بضم الذال أي هو وأنصاره وأما الْحُطَمَة ِ فقال المبرد إنها النار التي تحطم كل من وقع فيها ورجل حطمة أي شديد الأكل يأتي على زاد القوم وأصل الحطم في اللغة الكسر ويقال شر الرعاء الحطمة يقال راع حطمة وحطم بغير هاء كأنه يحطم الماشية أي يكسرها عند سوقها لعنفه قال المفسرون الحطمة اسم من أسماء النار وهي الدركة الثانية من دركات النار وقال مقاتل هي تحطم العظام وتأكل اللحوم حتى تهجم على القلوب


الصفحة التالية
Icon