للحرب فلم يتأهبوا ومنها قلة السلاح والفرس ومنها أن ذلك ابتداء غارة في الحرب لأنها أول غزوات رسول الله ( ﷺ ) وكان قد حصل للمشركين أضداد هذه المعاني منها كثرة العدد ومنها أنهم خرجوا متأهبين للحرب ومنها كثرة سلاحهم وخيلهم ومنها أن أولئك الأقوام كانوا ممارسين للمحاربة والمقاتلة في الأزمنة الماضية وإذا كان كذلك فلم تجر العادة أن مثل هؤلاء العدد في القلة والضعف وعدم السلاح وقلة المعرفة بأمر المحاربة يغلبون مثل ذلك الجمع الكثير مع كثرة سلاحهم وتأهبهم للمحاربة ولما كان ذلك خارجاً عن العادة كان معجزاً
والوجه الثاني في كون هذه الواقعة آية أنه عليه الصلاة والسلام كان قد أخبر قومه بأن الله ينصره على قريش بقوله يَنظُرُونَ وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ ( الأنفال ٧ ) يعني جمع قريش أو عير أبي سفيان وكان قد أخبر قبل الحرب بأن هذا مصرع فلان وهذا مصرع فلان فلما وجد مخبر خبره في المستقبل على وفق خبره كان ذلك إخباراً عن الغيب فكان معجزاً
والوجه الثالث في بيان كون هذه الواقعة آية ما ذكره تعالى بعد هذه الآية وهو قوله تعالى يَرَوْنَهُمْ مّثْلَيْهِمْ رَأْى َ الْعَيْنِ والأصح في تفسير هذه الآية أن الرائين هم المشركون والمرئيين هم المؤمنون والمعنى أن المشركين كانوا يرون المؤمنون مثلي عدد المشركين قريباً من ألفين أو مثلي عدد المسلمين وهو ستمائة وذلك معجز
فإن قيل تجويز رؤية ما ليس بموجود يفضي إلى السفسطة
قلنا نحمل الرؤية على الظن والحسبان وذلك لأن من اشتد خوفه قد يظن في الجمع القليل أنهم في غاية الكثرة وإما أن نقول إن الله تعالى أنزل الملائكة حتى صار عسكر المسلمين كثيرين والجواب الأول أقرب لأن الكلام مقتصر على الفئتين ولم يدخل فيهما قصة الملائكة
والوجه الرابع في بيان كون هذه القصة آية قال الحسن إن الله تعالى أمد رسوله ( ﷺ ) في تلك الغزوة بخمسة آلاف من الملائكة لأنه قال فَاسْتَجَابَ لَكُمْ إِنّى مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ ( الأنفال ٩ ) وقال بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُمْ مّن فَوْرِهِمْ هَاذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَة ِ ءالافٍ مّنَ الْمَلَئِكَة ِ ( آل عمران ١٢٥ ) والألف مع الأربعة آلاف خمسة آلاف من الملائكة وكان سيماهم هو أنه كان على أذناب خيولهم ونواصيها صوف أبيض وهو المراد بقوله وَاللَّهُ يُؤَيّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاء والله أعلم
ثم قال الله تعالى فِئَة ٌ تُقَاتِلُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَة ٌ وفيه مسألتان
المسألة الأولى القراءة المشهورة فِئَة ٌ بالرفع وكذا قوله وَأُخْرَى كَافِرَة ٌ وقرىء فِئَة ٌ فَقَاتِلْ وَأُخْرَى كَافِرَة ٌ بالجر على البدل من فئتين وقرىء بالنصب إما على الاختصاص أو على الحال من الضمير في التقتا قال الواحدي رحمه الله والرفع هو الوجه لأن المعنى إحداهما تقاتل في سبيل الله فهو رفع على استئناف الكلام
المسألة الثانية المراد بالفئة التي تقاتل في سبيل الله هم المسلمون لأنهم قاتلوا لنصرة دين الله
وقوله وَأُخْرَى كَافِرَة ٌ المراد بها كفار قريش


الصفحة التالية
Icon