ثم قال تعالى يَرَوْنَهُمْ مّثْلَيْهِمْ رَأْى َ الْعَيْنِ وفيه مسألتان
المسألة الأولى قرأ نافع وأبان عن عاصم تَرَوْنَهُمْ بالتاء المنقطة من فوق والباقون بالياء فمن قرأ بالتاء فلأن ما قبله خطاب لليهود والمعنى ترون أيها اليهود المسلمين مثل ما كانوا أو مثلي الفئة الكافرة أو تكون الآية خطاباً مع مشركي قريش والمعنى ترون يا مشركي قريش المسلمون مثلي فئتكم الكافرة ومن قرأ بالياء فللمغالبة التي جاءت بعد الخطاب وهو قوله فِئَة ٌ تُقَاتِلُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَة ٌ يَرَوْنَهُمْ مّثْلَيْهِمْ فقوله يَرَوْنَهُمْ يعود إلى الإخبار عن إحدى الفئتين
المسألة الثانية إعلم أنه قد تقدم في هذه الآية ذكر الفئة الكافرة وذكر الفئة المسلمة فقوله يَرَوْنَهُمْ مّثْلُهُمْ يحتمل أن يكون الراؤن هم الفئة الكافرة والمرئيون هم الفئة المسلمة ويحتمل أن يكون بالعكس من ذلك فهذان احتمالان وأيضاً فقوله مّثْلَيْهِمْ يحتمل أن يكون المراد مثلي الرائين وأن يكون المراد مثلي المرئين فإذن هذه الآية تحتمل وجوهاً أربعة الأول أن يكون المراد أن الفئة الكافرة رأت المسلمين مثلي عدد المشركين قريباً من ألفين
والاحتمال الثاني أن الفئة الكافرة رأت المسلمين مثلي عدد المسلمين ستمائة ونيفاً وعشرين والحكمة في ذلك أنه تعالى كثر المسلمين في أعين المشركين مع قلتهم ليهابوهم فيحترزوا عن قتالهم
فإن قيل هذا متناقض لقوله تعالى في سورة الأنفال وَيُقَلّلُكُمْ فِى أَعْيُنِهِمْ ( الأنفال ٤٤ )
فالجواب أنه كان التقليل والتكثير في حالين مختلفين فقللوا أولاً في أعينهم حتى اجترؤا عليهم فلما تلاقوا كثرهم الله في أعينهم حتى صاروا معلوبين ثم إن تقليلهم في أول الأمر وتكثيرهم في آخر الأمر أبلغ في القدرة وإظهار الآية
والاحتمال الثالث أن الرائين هم المسلمون والمرئيين هم المشركون فالمسلمون رأوا المشركين مثلى المسلمين ستمائة وأزيد والسبب فيه أن الله تعالى أمر المسلم الواحد بمقاومة الكافرين قال الله تعالى إِن يَكُن مّنكُمْ مّاْئَة ٌ صَابِرَة ٌ يَغْلِبُواْ مِاْئَتَيْنِ ( الأنفال ٦٦ )
فإن قيل كيف يرونهم مثليهم رأي العين وكانوا ثلاثة أمثالهم
الجواب أن الله تعالى إنما أظهر للمسلمين من عدد المشركين القدر الذي علم المسلمون أنهم يغلبونهم وذلك لأنه تعالى قال إِن يَكُن مّنكُمْ مّاْئَة ٌ صَابِرَة ٌ يَغْلِبُواْ مِاْئَتَيْنِ فأظهر ذلك العدد من المشركين للمؤمنين تقوية لقلوبهم وإزالة للخوف عن صدورهم
والاحتمال الرابع أن الرائين هم المسلمون وأنهم رأوا المشركين على الضعف من عدد المشركين فهذا قول لا يمكن أن يقول به أحد لأن هذا يوجب نصرة المشركين بإيقاع الخوف في قلوب المؤمنين والآية تنافي ذلك وفي الآية احتمال خامس وهو أنا أول الآية قد بينا أن الخطاب مع اليهود فيكون المراد ترون أيها اليهود المشركين مثلي المؤمنين في القوة والشوكة
فإن قيل كيف رأوهم مثليهم فقد كانوا ثلاثة أمثالهم فقد سبق الجواب عنه


الصفحة التالية
Icon