فإن قيل فلم قدم ههنا ذكر المنفقين على ذكر المستغفرين وأخر في قوله ( التعظيم لأمر الله والشفقة على خلق الله )
قلنا لأن هذه الآية في شرح عروج العبد من الأدنى إلى الأشرف فلا جرم وقع الختم بذكر المستغفرين بالأسحار وقوله ( التعظيم لأمر الله ) في شرح نزول العبد من الأشرف إلى الأدنى فلا جرم كان الترتيب بالعكس
المسألة الرابعة هذه الخمسة إشارة إلى تعديد الصفات لموصوف واحد فكان الواجب حذف واو العطف عنها كما في قوله هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِىء الْمُصَوّرُ ( الحشر ٢٤ ) إلا أنه ذكر ههنا واو العطف وأظن والعلم عند الله أن كل من كان معه واحدة من هذه الخصال دخل تحت المدح العظيم واستوجب هذا الثواب الجزيل والله أعلم
شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إله إِلاَّ هُوَ وَالْمَلَائِكَة ُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إله إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
إعلم أنه تعالى لما مدح المؤمنين وأثنى عليهم بقوله الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا ءامَنَّا ( آل عمران ١٦ ) أردفه بأن بيّن أن دلائل الإيمان ظاهرة جلية فقال شَهِدَ اللَّهُ وفيه مسائل
المسألة الأولى إعلم أن كل ما يتوقف العلم بنبوّة محمد ( ﷺ ) على العلم به فإنه لا يمكن إثباته بالدلائل السمعية أما ما يكون كذلك فإنه يجوز إثباته بالدلائل السمعية وفي حق الملائكة وفي حق أولي العلم لكن العلم بصحة نبوّة محمد ( ﷺ ) لا يتوقف على العلم بكون الله تعالى واحداً فلا جرم يجوز إثبات كون الله تعالى واحداً بمجرد الدلائل السمعية القرآنية
إذا عرفت هذا فنقول ذكروا في قوله شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إله إِلاَّ هُوَ وَالْمَلَائِكَة ُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قولين أحدهما أن الشهادة من الله تعالى ومن الملائكة ومن أولي العلم بمعنى واحد الثاني أنه ليس كذلك أما القول الأول فيمكن تقريره من وجهين
الوجه الأول أن تجعل الشهادة عبارة عن الإخبار المقرون بالعلم فهذا المعنى مفهوم واحد وهو حاصل في حق الله تعالى وفي حق الملائكة وفي حق أولي العلم أما من الله تعالى فقد أخبر في القرآن عن كونه واحداً لا إلاه معه وقد بينا أن التمسك بالدلالة السمعية في هذه المسألة جائز وأما من الملائكة وأولي العلم فكلهم أخبروا أيضاً أن الله تعالى واحد لا شريك له فثبت على هذا التقرير أن المفهوم من الشهادة معنى واحد في حق الله وفي حق الملائكة وفي حق أولي العلم


الصفحة التالية
Icon