المسألة الثانية المراد من أُوْلِى الْعِلْمِ في هذه الآية الذين عرفوا وحدانيته بالدلائل القاطعة لأن الشهادة إنما تكون مقبولة إذا كان الإخبار مقروناً بالعلم ولذلك قال ( ﷺ ) ( إذا علمت مثل الشمس فاشهد ) وهذا يدل على أن هذه الدرجة العالية والمرتبة الشريفة ليست إلا لعلماء الأصول
أما قوله تعالى قَائِمَاً بِالْقِسْطِ ففيه مسائل
المسألة الأولى قَائِمَاً بِالْقِسْطِ منتصب وفيه وجوه
الوجه الأول نصب على الحال ثم فيه وجوه أحدها التقدير شهد الله قائماً بالقسط وثانيها يجوز أن يكون حالا من هو تقديره لا إلاه إلا هو قائماً بالقسط ويسمى هذا حالاً مؤكدة كقولك أتانا عبد الله شجاعاً وكقولك لا رجل إلا عبد الله شجاعاً
الوجه الثاني أن يكون صفة المنفي كأنه قيل لا إلاه قائماً بالقسط إلا هو وهذا غير بعيد لأنهم يفصلون بين الصفة والموصوف
والوجه الثالث أن يكون نصباً على المدح
فإن قيل أليس من حق المدح أن يكون معرفة كقولك الحمد لله الحميد
قلنا وقد جاء نكرة أيضاً وأنشد سيبويه ويأوي إلى نسوة عطل
وشعثاً مراضع مثل السعالي
المسألة الثانية قوله قَائِمَاً بِالْقِسْطِ فيه وجهان الأول أنه حال من المؤمنين والتقدير وأولوا العلم حال كون كل واحد منهم قائماً بالقسط في أداء هذه الشهادة والثاني وهو قول جمهور المفسرين أنه حال من شَهِدَ اللَّهُ
المسألة الثالثة معنى كونه قَائِمَاً بِالْقِسْطِ قائماً بالعدل كما يقال فلان قائم بالتدبير أي يجريه على الاستقامة
واعلم أن هذا العدل منه ما هو متصل بباب الدنيا ومنه ما هو متصل بباب الدين أما المتصل بالدين فانظر أولاً في كيفية خلقة أعضاء الإنسان حتى تعرف عدل الله تعالى فيها ثم انظر إلى اختلاف أحوال الخلق في الحسن والقبح والغنى والفقر والصحة والسقم وطول العمر وقصره واللذة والآلام واقطع بأن كل ذلك عدل من الله وحكمة وصواب ثم انظر في كيفية خلقة العناصر وأجرام الأفلاك وتقدير كل واحد منها بقدر معين وخاصية معينة واقطع بأن كل ذلك حكمة وصواب أما ما يتصل بأمر الدين فانظر إلى اختلاف الخلق في العلم والجهل والفطانة والبلادة والهداية والغواية واقطع بأن كل ذلك عدل وقسط ولقد خاض صاحب ( الكشاف ) ههنا في التعصب للاعتزال وزعم أن الآية دالة على أن الإسلام هو العدل والتوحيد وكان ذلك المسكين بعيداً عن معرفة هذه الأشياء إلا أنه فضولي كثير الخوض فيما لا يعرف وزعم أن الآية دلّت على أن من أجاز الرؤية أو ذهب إلى الجبر لم يكن على دين الله الذي هو الإسلام والعجب أن أكابر المعتزلة وعظماءهم أفنوا أعمارهم في طلب الدليل على أنه لو كان مرئياً لكان جسماً وما وجدوا فيه سوى الرجوع إلى الشاهد من غير جامع عقلي قاطع فهذا المسكين الذي ما شم رائحة العلم من أين وجد ذلك


الصفحة التالية
Icon