وحكى أبو عمرو بن العلاء سبحان ما سبح له الرعد وقال فَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِى عَلَى بَطْنِهِ ( النور ٤٥ ) ورابعها إنما ذكر ( ما ) تنزيلا للاناث منزلة غير العقلاء ومنه قوله إِلاَّ عَلَى أَزْواجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ ( المعارج ٣٠ )
المسألة الثالثة قال الواحدي وصاحب ( الكشاف ) قوله مَا طَابَ لَكُمْ أي ما حل لكم من النساء لأن منهن من يحرم نكاحها وهي الأنواع المذكورة في قوله حُرّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ ( النساء ٢٣ ) وهذا عندي فيه نظر وذلك لأنا بينا أن قوله فَانكِحُواْ أمر إباحة فلو كان المراد بقوله مَا طَابَ لَكُمْ أي ما حل لكم لنزلت الآية منزلة ما يقال أبحنا لكم نكاح من يكون نكاحها مباحا لكم وذلك يخرج الآية عن الفائدة وأيضاً فبتقدير أن تحمل الآية على ما ذكروه تصير الآية مجملة لأن أسباب الحل والاباحة لما لم تكن مذكورة في هذه الآية صارت الآية مجملة لا محالة أما إذا حملنا الطيب على استطابة النفس وميل القلب كانت الآية عاما دخله التخصيص وقد ثبت في أصول الفقه أنه متى وقع التعارض بين الاجمال والتخصيص كان رفع الاجمال أولى لأن العام المخصوص حجة في غير محل التخصيص والمجمل لا يكون حجة أصلا
المسألة الرابعة مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ معناه اثنين اثنين وثلاثا ثلاثا وأربعا أربعا وهو غير منصرف وفيه وجهان الأول أنه اجتمع فيها أمران العدل والوصف أما العدل فلأن العدل عبارة عن أنك تذكر كلمة وتريد بها كلمة أخرى كما تقول عمر وزفر وتريد به عامراً وزافرا فكذا ههنا تريد بقولك مثنى ثنتين ثنتين فكان معدولا وأما أنه وصف فدليله قوله تعالى أُوْلِى أَجْنِحَة ٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ( فاطر ١ ) ولا شك أنه وصف
الوجه الثاني في بيان أن هذه الأسماء غير منصرفة أن فيها عدلين لأنها معدولة عن أصولها كما بيناه وأيضا انها معدولة عن تكررها فانك لا تريد بقولك مثنى ثنتين فقط بل ثنتين ثنتين فاذا قلت جاءني اثنان أو ثلاثة كان غرضك الاخبار عن مجيء هذا العدد فقط أما إذا قلت جاءني القوم مثنى أفاد أن ترتيب مجيئهم وقع اثنين اثنين فثبت أنه حصل في هذه الألفاظ نوعان من العدد فوجب أن يمنع من الصرف وذلك لأنه إذا اجتمع في الاسم سببان أوجب ذلك منع الصرف لأنه يصير لأجل ذلك نائبا من جهتين فيصير مشابها للفعل فيمتنع صرفه وكذا إذا حصل فيه العدل من جهتين فوجب أن يمنع صرفه والله أعلم
المسألة الخامسة قال أهل التحقيق فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مّنَ النّسَاء لا يتناول العبيد وذلك لأن الخطاب إنما يتناول إنسانا متى طابت له امرأة قدر على نكاحها والعبد ليس كذلك بدليل أنه لا يتمكن من النكاح إلا باذن مولاه ويدل عليه القرآن والخبر أما القرآن فقوله تعالى ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْدًا مَّمْلُوكًا لاَّ يَقْدِرُ عَلَى شَى ْء ( النحل ٧٥ ) فقوله لاَّ يَقْدِرُ عَلَى شَى ْء ينفي كونه مستقلا بالنكاح وأما الخبر فقوله عليه الصلاة والسلام ( أيما عبد تزوج بغير إذن مولاه فهو عاهر ) فثبت بما ذكرناه أن هذه الآية لا يندرج فيها العبد
إذا عرفت هذه المقدمة فنقول ذهب أكثر الفقهاء إلى أن نكاح الأربع مشروع للأحرار دون


الصفحة التالية
Icon