أفضل من النكاح وذلك لأن الله تعالى خير في هذه الآية بين التزوج بالواحدة وبين التسري والتخيير بين الشيئين مشعر بالمساواة بينهما في الحكمة المطلوبة كما إذا قال الطبيب كل التفاح أو الرمان فان ذلك يشعر بكون كل واحد منهما قائما مقام الآخر في تمام الغرض وكما أن الآية دلت على هذه التسوية فكذلك العقل يدل عليها لأن المقصود هو السكن والازدواج وتحصين الدين ومصالح البيت وكل ذلك حاصل بالطريقين وأيضاً إن فرضنا الكلام فيما إذا كانت المرأة مملوكة ثم أعتقها وتزوج بها فههنا يظهر جدا حصول الاستواء بين التزوج وبين التسري واذا ثبت بهذه الآية ان التزوج والتسري متساويان فنقول أجمعنا على أن الاشتغال بالنوافل أفضل من التسري فوجب أن يكون أفضل من النكاح لان الزائد على أحد المتساويين يكون زائد على المساوي الثاني لا محالة
ثم قال تعالى ذَلِكَ أَدْنَى أَن لا تَعُولُواْ وفيه مسألتان
المسألة الأولى المراد من الادنى ههنا الاقرب والتقدير ذلك أقرب من أن لا تعولوا وحسن حذف ( من ) لدلالة الكلام عليه
المسألة الثانية في تفسير أَن لا تَعُولُواْ وجوه الأول معناه لا تجوروا ولا تميلوا وهذا هو المختار عند أكثر المفسرين وروي ذلك مرفوعا روت عائشة رضي الله عنها عن النبي ( ﷺ ) في قوله ذالِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ قال ( لا تجوروا ) وفي رواية أخرى ( أن لا تميلوا ) قال الواحدي رحمه الله كلا اللفظين مروي وأصل العول الميل يقال عال الميزان عولا إذا مال وعال الحاكم في حكمه إذا جار لانه إذا جار فقد مال وأنشدوا لأبي طالب
بميزان قسط لا يغل شعيرة ووزان صدق وزنه غير عائل
وروي أن أعرابيا حكم عليه حاكم فقال له أتعول علي ويقال عالت الفريضة إذا زادت سهامها وقد أعلتها أنا إذا ازدت في سهامها ومعلوم أنها إذا زادت سهامها فقد مالت عن الاعتدال فدلت هذه الاشتقاقات على أن أصل هذا اللفظ الميل ثم اختص بحسب العرف بالميل الى الجور والظلم فهذا هو الكلام في تقرير هذا الوجه الذي ذهب اليه الأكثرون
الوجه الثاني قال بعضهم المراد أن لا تفتقروا يقال رجل عائل أي فقير وذلك لأنه إذا قل عياله قلت نفقاته واذا قلت نفقاته لم يفتقر
الوجه الثالث نقل عن الشافعي رضي الله عنه أنه قال ( ذلك أدنى أن لا تعولوا معناه ذلك أدنى أن لا تكثر عيالكم قال أبو بكر الرازي في أحكام القرآن وقد خطأه الناس في ذلك من ثلاثة أوجه أحدها أنه لا خلاف بين السلف وكل من روى تفسير هذه الآية أن معناه أن لا تميلوا ولا تجوروا وثانيها أنه خطأ في اللغة لأنه لو قيل ذلك أدنى أن لا تعيلوا لكان ذلك مستقيما فأما تفسير معناه ذلك أدنى أن لا تكثر عيالكم قال أبو بكر الرازي في أحكام القرآن وقد خطأه الناس في ذلك من ثلاثة أوجه أحدها أنه لا خلاف بين السلف وكل من روى تفسير هذه الآية أن معناه أن لا تميلوا ولا تجوروا وثانيها أنه خطأ في اللغة لأنه لو قيل ذلك أدنى أن لا تعيلوا لكان ذلك مستقيما فأما تفسير تَعُولُواْ بتعيلوا فانه خطأ في اللغة وثالثها أنه تعالى ذكر الزوجة الواحدة أو ملك اليمين والاماء في العيال بمنزلة النساء ولا خلاف أن له أن يجمع من العدد من شاء بملك اليمين فعلمنا أنه ليس المراد كثرة العيال وزاد صاحب النظم في الطعن وجها رابعا وهو أنه تعالى قال في أول الآية فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَواحِدَة ً ولم يقل أن تفتقروا


الصفحة التالية
Icon