فوجب أن يكون الجواب معطوفا على هذا الشرط ولا يكون جوابه إلا بضد العدل وذلك هو الجور لا كثرة العيال وأنا أقول
أما السؤال الأول فهو في غاية الركاكة وذلك أنه لم ينقل عن الشافعي رحمة الله عليه أنه طعن في قول المفسرين أن معنى الآية أن لا تجوروا ولا تميلوا ولكنه ذكر فيه وجها آخر وقد ثبت في أصول الفقه أن المتقدمين إذا ذكروا وجها في تفسير الآية فذلك لا يمنع المتأخرين من استخراج وجه آخر في تفسيرها ولولا جواز ذلك وإلا لصارت الدقائق التي استنبطها المتأخرون في تفسير كلام الله مردودة باطلة ومعلوم أن ذلك لا يقوله إلا مقلد خلف وأيضا فمن الذي أخبر الرازي أن هذا الوجه الذي ذكره الشافعي لم يذكره واحد من الصحابة والتابعين وكيف لا نقول ذلك ومن المشهور أن طاوسا كان يقرأ ذلك أدنى أن لا تعيلوا واذا ثبت أن المتقدمين كانوا قد جعلوا هذا الوجه قراءة فبأن يجعلوه تفسيرا كان أولى فثبت بهذه الوجوه شدة جهل الرازي في هذا الطعن
وأما السؤال الثاني فنقول انك نقلت هذه اللفظة في اللغة عن المبرد لكنك بجهلك وحرصك على الطعن في رؤساء المجتهدين والاعلام وشدة بلادتك ما عرفت ان هذا الطعن الذي ذكره المبرد فاسد وبيان فساده من وجوه الأول أنه يقال عالت المسألة إذا زادت سهامها وكثرة وهذا المعنى قريب من الميل لانه إذا مال فقد كثرت جهات الرغبة وموجبات الارادة واذا كان كذلك كان معنى الآية ذلك أدنى أن لا تكثروا واذا لم تكثروا لم يقع الانسان في الجور والظلم لان مطية الجور والظلم هي الكثرة والمخالطة وبهذا الطريق يرجع هذا التفسير الى قريب من التفسير الأول الذي اختاره الجمهور
الوجه الثاني ان الانسان إذا قال فلان طويل النجاد كثير الرماد فاذا قيل له ما معناه حسن أن يقال معناه أنه طويل القامة كثير الضيافة وليس المراد منه أن تفسير طويل النجاد هو أنه طويل القامة بل المراد أن المقصود من ذلك الكلام هو هذا المعنى وهذا الكلام تسميه علماء البيان التعبير عن الشيء بالكناية والتعريض وحاصله يرجع الى حرف واحد وهو الاشارة الى الشيء بذكر لوازمه فههنا كثرة العيال مستلزمة للميل والجور والشافعي رضي الله عنه جعل كثرة العيال كناية عن الميل والجور لما أن كثرة العيال لا تنفك عن الميل والجور فجعل هذا تفسيراً له لا على سبيل الكناية والاستلزام وهذه طريقة مشهورة في كتاب الله والشافعي لما كان محيطاً بوجوه أساليب المطابقة بل على سبيل الكلام العربي استحسن ذكر هذا الكلام فأما أبو بكر الرازي لما كان بليد الطبع بعيدا عن أساليب كلام العرب لا جرم لم يعرف الوجه الحسن فيه
الوجه الثالث ما ذكره صاحب ( الكشاف ) وهو أن هذا التفسير مأخوذ من قولك عال الرجل عياله يعولهم كقولهم مانهم يمونهم إذا أنفق عليهم لان من كثر عياله لزمه أن يعولهم وفي ذلك ما تصعب عليه المحافظة على حدود الورع وكسب الحلال والرزق الطيب فثبت بهذه الوجوه أن الذي ذكره إمام المسلمين الشافعي رضي الله عنه في غاية الحسن وأن الطعن لا يصدر الا عن كثرة الغباوة وقلة المعرفة
وأما السؤال الثالث وهو قوله إن كثرة العيال لا تختلف بأن تكون المرأة زوجة أو مملوكة فجوابه من وجهين الأول ما ذكره القفال رضي الله عنه وهو أن الجواري إذا كثرن فله أن يكلفهن الكسب وإذا


الصفحة التالية
Icon