الذين يكونون تحت ولايتكم وكانوا سفهاء أموالهم والدليل على أنه خطاب الأولياء قوله وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وأيضا فعلى هذا القول يحسن تعلق الآية بما قبلها كما قررناه
فان قيل فعلى هذا الوجه كان يجب أن يقال ولا تؤتوا السفهاء أموالهم فلم قال أموالكم
قلنا في الجواب وجهان الأول أنه تعالى أضاف المال اليهم لا لأنهم ملكوه لكن من حيث ملكوا التصرف فيه ويكفي في حسن الاضافة أدنى سبب الثاني إنما حسنت هذه الاضافة إجراء للوحدة بالنوع مجرى الوحدة بالشخص ونظيره قوله تعالى لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مّنْ أَنفُسِكُمْ ( التوبة ١٢٨ ) وقوله وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ( النساء ٣٦ ) وقوله فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ وقوله ثُمَّ أَنتُمْ هَاؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ ( البقرة ٨٥ ) ومعلوم أن الرجل منهم ما كان يقتل نفسه ولكن كان بعضهم يقتل بعضا وكان الكل من نوع واحد فكذا ههنا المال شيء ينتفع به نوع الانسان ويحتاج اليه فلأجل هذه الوحدة النوعية حسنت إضافة أموال السفهاء الى أوليائهم
والقول الثاني أن هذه الآية خطاب الآباء فنهاهم الله تعالى إذا كان أولادهم سفهاء لا يستقلون بحفظ المال وإصلاحه أن يدفعوا أموالهم أو بعضها اليهم لما كان في ذلك من الافساد فعلى هذا الوجه يكون إضافة الأموال اليهم حقيقة وعلى هذا القول يكون الغرض من الآية الحث على حفظ المال والسعي في أن لا يضيع ولا يهلك وذلك يدل على أنه ليس له أن يأكل جميع أمواله ويهلكها واذا قرب أجله فانه يجب عليه أن يوصي بماله الى أمين يحفظ ذلك المال على ورثته وقد ذكرنا أن القول الأول أرجح لوجهين ومما يدل على هذا الترجيح أن ظاهر النهي للتحريم وأجمعت الأمة على أنه لا يحرم عليه أن يهب من أولاده الصغار ومن النسوان ما شاء من ماله وأجمعوا على أنه يحرم على الولي أن يدفع الى السفهاء أموالهم واذا كان كذلك وجب حمل الآية على القول الأول لا على هذا القول الثاني والله أعلم الثاني أنه قال في آخر الآية وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً ولا شك أن هذه الوصية بالأيتام أشبه لان المرء مشفق بطبعه على ولده فلا يقول له إلا المعروف وإنما يحتاج الى هذه الوصية مع الأيتام الأجانب ولا يمتنع أيضا حمل الآية على كلا الوجهين قال القاضي هذا بعيد لأنه يقتضي حمل قوله أَمْوالَكُمْ على الحقيقة والمجاز جميعا ويمكن أن يجاب عنه بأن قوله أَمْوالَكُمْ يفيد كون تلك الأموال مختصة بهم اختصاصا يمكنه التصرف فيها ثم إن هذا الاختصاص حاصل في المال الذي يكون مملوكا له وفي المال الذي يكون مملوكا للصبي إلا أنه يجب تصرفه فهذا التفاوت واقع في مفهوم خارج من المفهوم المستفاد من قوله أَمْوالَكُمْ واذا كان كذلك لم يبعد حمل اللفظ عليهما من حيث أن اللفظ أفاد معنى واحدا مشتركا بينهما
المسألة الثانية ذكروا في المراد بالسفهاء أوجها الأول قال مجاهد وجويبر عن الضحاك السفهاء ههنا النساء سواء كن أزواجا أو أمهات أو بنات وهذا مذهب ابن عمر ويدل على هذا ما روى أبو أمامة أن النبي ( ﷺ ) قال ( ألا انما خلقت النار للسفهاء يقولها ثلاثا ألا وإن السفهاء النساء الا امرأة أطاعت قيمها )
فان قيل لو كان المراد بالسفهاء النساء لقال السفائه أو السفيهات في جمع السفيهة نحو غرائب وغريبات في جمع الغريبة


الصفحة التالية
Icon