أجاب الزجاج بأن السفهاء في جمع السفيهة جائز كما أن الفقراء في جمع الفقيرة جائز
والقول الثاني قال الزهري وابن زيد عني بالسفهاء ههنا السفهاء من الأولاد يقول لا تعط مالك الذي هو قيامك ولدك السفيه فيفسده
القول الثالث المراد بالسفهاء هم النساء والصبيان في قول ابن عباس والحسن وقتادة وسعيد ابن جبير قالوا إذا علم الرجل أن امرأته سفيهة مفسدة وان ولده سفيه مفسد فلا ينبغي له أن يسلط واحدا منهما على ماله فيفسده
والقول الرابع أن المراد بالسفهاء كل من لم يكن له عقل يفي بحفظ المال ويدخل فيه النساء والصبيان والايتام كل من كان موصوفا بهذه الصفة وهذا القول أولى لان التخصيص بغير دليل لا يجوز وقد ذكرنا في سورة البقرة أن السفه خفة العقل ولذلك سمي الفاسق سفيها لانه لا وزن له عند أهل الدين والعلم ويسمى الناقص العقل سفيها لخفة عقله
المسألة الثالثة أنه ليس السفه في هؤلاء صفة ذم ولا يفيد معنى العصيان لله تعالى وإنما سموا سفهاء لخفة عقولهم ونقصان تمييزهم عن القيام بحفظ الاموال
المسألة الرابعة اعلم أنه تعالى أمر المكلفين في مواضع من كتابه بحفظ الأموال قال تعالى وَلاَ تُبَذّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوانَ الشَّيَاطِينِ ( الإسراء ٢٦ ٢٧ ) وقال تعالى وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَة ً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُوراً ( الإسراء ٢٩ ) وقال تعالى وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ ( الفرقان ٦٧ ) وقد رغب الله في حفظ المال في آية المداينة حيث أمر بالكتابة والاشهاد والرهن والعقل أيضاً يؤيد ذلك لأن الانسان ما لم يكن فارغ البال لا يمكنه القيام بتحصيل مصالح الدنيا والآخرة ولا يكون فارغ البال إلا بواسطة المال لأن به يتمكن من جلب المنافع ودفع المضار فمن أراد الدنيا بهذا الغرض كانت الدنيا في حقه من أعظم الأسباب المعينة له على اكتساب سعادة الآخرة أما من أرادها لنفسها ولعينها كانت من أعظم المعوقات عن كسب سعادة الآخرة
المسألة الخامسة قوله تعالى الَّتِى جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً معناه أنه لا يحصل قيامكم ولا معاشكم إلا بهذا المال فلما كان المال سببا للقيام والاستقلال سماه بالقيام إطلاقا لاسم المسبب على السبب على سبيل المبالغة يعني كان هذا المال نفس قيامكم وابتغاء معاشكم وقرأ نافع وابن عامر الَّتِى جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قَيِّماً وقد يقال هذا قيم وقيم كما قال ( دينا قيما ملة إبراهيم ) وقرأ عبدالله بن عمر ( قواما ) بالواو وقوام الشيء ما يقام به كقولك ملاك الأمر لما يملك به
المسألة السادسة قال الشافعي رحمه الله البالغ إذا كان مبذراً للمال مفسداً له يحجر عليه وقال أبو حنيفة رضي الله عنه لا يحجر عليه حجة الشافعي أنه سفيه فوجب أن يحجر عليه إنما قلنا إنه سفيه لأن السفيه في اللغة هو من خف وزنه ولا شك أن من كان مبذرا للمال مفسداً له من غير فائدة فانه لا يكون له في القلب وقع عند العقلاء فكان خفيف الوزن عندهم فوجب أن يسمى بالسفيه وإذا ثبت هذا لزم اندراجه تحت قوله تعالى وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوالَكُمُ


الصفحة التالية
Icon