والقول الرابع أن هذا أمر لأولياء اليتيم فكأنه تعالى قال وليخش من يخاف على ولده بعد موته أن يضيع مال اليتيم الضعيف الذي هو ذرية غيره إذا كان في حجره والمقصود من الآية على هذا الوجه أن يبعثه سبحانه وتعالى على حفظ ماله وأن يترك نفسه في حفظه والاحتياط في ذلك بمنزلة ما يحبه من غيره في ذريته لو خلفهم وخلف لهم مالا قال القاضي وهذا أليق بما تقدم وتأخر من الآيات الواردة في باب الأيتام فجعل تعالى آخر ما دعاهم إلى حفظ مال اليتيم أن ينبههم على حال أنفسهم وذريتهم إذا تصوروها ولا شك أنه من أقوى الدواعي والبواعث في هذا المقصود
المسألة الثالثة قال صاحب ( الكشاف ) قرىء ضعفاء وضعافى وضعافى نحو سكارى وسكارى قال الواحدي قرأ حمزة ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ بالامالة فيهما ثم قال ووجه إمالة ضعاف أن ما كان على وزن فعال وكان أوله حرفا مستعلياً مكسوراً نحو ضعاف وغلاب وخباب يحسن فيه الإمالة وذلك لأنه تصعد بالحرف المستعلي ثم انحدر بالكسرة فيستحب أن لا يتصعد بالتفخيم بعد الكسر حتى يوجد الصوت على طريقة واحدة وأما الإمالة في خَافُواْ فهي حسنة لأنها تطلب الكسرة التي في خفت ثم قال فَلْيَتَّقُواّ اللَّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً وهو كالتقرير لما تقدم فكأنه قال فليتقوا الله في الأمر الذي تقدم ذكره والاحتياط فيه وليقولوا قولا سديدا إذا أرادوا بعث غيرهم على فعل وعمل والقول السديد هو العدل والصواب من القول قال صاحب ( الكشاف ) القول السديد من الأوصياء أن لا يؤذوا اليتامى ويكلموهم كما يكلمون أولادهم بالترحيب وإذا خاطبوهم قالوا يا بني يا ولدي والقول السديد من الجالسين إلى المريض أن يقولوا إذا أردت الوصية لا تسرف في وصيتك ولا تحجف بأولادك مثل قول رسول الله ( ﷺ ) لسعد والقول السديد من الورثة حال قسمة الميراث للحاضرين الذين لا يرثون أن يلطفوا القول لهم ويخصوهم بالاكرام
إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً
اعلم أنه تعالى أكد الوعيد في أكل مال اليتيم ظلما وقد كثر الوعيد في هذه الآيات مرة بعد أخرى على من يفعل ذلك كقوله وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيّبِ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوالَهُمْ إِلَى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً ( النساء ٢ ) وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرّيَّة ً ضِعَافاً ( النساء ٩ ) ثم ذكر بعدها هذه الآية مفردة في وعيد من يأكل أموالهم وذلك كله رحمة من الله تعالى باليتامى لأنهم لكمال ضعفهم وعجزهم استحقوا من الله مزيد العناية والكرامة وما أشد دلالة هذا الوعيد على سعة رحمته وكثرة عفوه وفضله لأن اليتامى لما بلغوا في الضعف إلى الغاية القصوى بلغت عناية الله بهم إلى الغاية القصوى وفي الآية مسائل
المسألة الأولى دلت هذه الآية على أن مال اليتيم قد يؤكل غير ظلم والا لم يكن لهذا التخصيص فائدة وذلك ما ذكرناه فيما تقدم أن للولي المحتاج أن يأكل من ماله بالمعروف
المسألة الثانية قوله إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ نَاراً فيه قولان الأول أن يجري ذلك على ظاهره قال السدي إذا أكل الرجل مال اليتيم ظلما يبعث يوم القيامة ولهب النار يخرج من فيه ومسامعه وأذنيه


الصفحة التالية
Icon