وعينيه يعرف كل من رآه أنه أكل مال اليتيم وعن أبي سعيد الخدري أن النبي ( ﷺ ) قال ( ليلة أسرى بي رأيت قوما لهم مشافر كمشافر الابل وقد وكل بهم من يأخذ بمشافرهم ثم يجعل في أفواههم صخرا من النار يخرج من أسافلهم فقلت يا جبريل من هؤلاء فقال هؤلاء الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما )
والقول الثاني ان ذلك توسع والمراد ان أكل مال اليتيم جار مجرى أكل النار من حيث انه يفضي اليه ويستلزمه وقد يطلق اسم أحد المتلازمين على الآخر كقوله تعالى وَجَزَاء سَيّئَة ٍ سَيّئَة ٌ مّثْلُهَا ( الشورى ٤٠ ) قال القاضي وهذا أولى من الأول لأن قوله إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ نَاراً الاشارة فيه إلى كل واحد فكان حمله على التوسع الذي ذكرناه أولى
المسألة الثالثة لقائل أن يقول الأكل لا يكون إلا في البطن فما فائدة قوله إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ نَاراً
وجوابه أنه كقوله يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِم مَّا لَيْسَ فِى قُلُوبِهِمْ ( آل عمران ١٦٧ ) والقول لا يكون إلا بالفهم وقال وَلَاكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِى فِى الصُّدُورِ ( الحج ٤٦ ) والقلب لا يكون إلا في الصدر وقال وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ ( الأنعام ٣٨ ) والطيران لا يكون إلا بالجناح والغرض من كل ذلك التأكيد والمبالغة
المسألة الرابعة انه تعالى وإن ذكر الأكل إلا أن المراد منه كل أنواع الاتلافات فان ضرر اليتيم لا يختلف بأن يكون إتلاف ماله بالأكل أو بطريق آخر وإنما ذكر الأكل وأراد به كل التصرفات المتلفة لوجوه أحدها أن عامة مال اليتيم في ذلك الوقت هو الأنعام التي يأكل لحومها ويشرب ألبانها فخرج الكلام على عادتهم وثانيها أنه جرت العادة فيمن أنفق ماله في وجوه مراداته خيرا كانت أو شرا أنه يقال إنه أكل ماله وثالثها أن الأكل هو المعظم فيما يبتغي من التصرفات
المسألة الخامسة قالت المعتزلة الآية دالة على وعيد كل من فعل هذا الفعل سواء كان مسلما أو لم يكن لأن قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتَامَى ظُلْماً عام يدخل فيه الكل فهذا يدل على القطع بالوعيد وقوله وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً يوجب القطع على أنهم إذا ماتوا على غير توبة يصلون هذا السعير لا محالة والجواب عنه قد ذكرناه مستقصى في سورة البقرة ثم نقول لم لا يجوز أن يكون هذا الوعيد مخصوصا بالكفار لقوله تعالى وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ( البقرة ٢٥٤ ) ثم قالت المعتزلة ولا يجوز أن يدخل تحت هذا الوعيد أكل اليسير من ماله لأن الوعيد مشروط بأن لا يكون معه توبة ولا طاعة أعظم من تلك المعصية وإذا كان كذلك فالذي يقطع على أنه من أهل الوعيد من تكون معصيته كبيرة ولا يكون معها توبة فلا جرم وجب أن يطلب قدر ما يكون كثيرا من أكل ماله فقال أبو علي الجبائي قدره خمسة دراهم لأنه هو القدر الذي وقع الوعيد عليه في آية الكنز في منع الزكاة هذا جملة ما ذكره القاضي فيقال له فأنت قد خالفت ظاهر هذا العموم من وجهين أحدهما أنك زدت فيه شرط عدم التوبة والثاني أنك زدت فيه عدم كونه صغيرا وإذا جاز ذلك فلم لا يجوز لنا أن نزيد فيه شرط عدم العفو أقصى ما في الباب أن يقال ما وجدنا دليلا يدل على حصول العفو لكنا نجيب عنه من وجهين أحدهما أنا لا نسلم عدم دلائل العفو بل هي كثيرة على ما قررناه في سورة البقرة والثاني هب أنكم ما وجدتموها لكن عدم الوجدان لا


الصفحة التالية
Icon