في الآية مسائل
المسألة الأولى اعلم أن أهل الجاهلية كانوا يتوارثون بشيئين أحدهما النسب والآخر العهد أما النسب فهم ما كانوا يورثون الصغار ولا الاناث وإنما كانوا يورثون من الأقارب الرجال الذين يقاتلون على الخيل ويأخذون الغنيمة وأما العهد فمن وجهين الأول الحلف كان الرجل في الجاهلية يقول لغيره دمي دمك وهدمي هدمك وترثني وأرثك وتطلب بي وأطلب بك فاذا تعاهدوا على هذا الوجه فأيهما مات قبل صاحبه كان للحي ما اشترط من مال الميت والثاني التبني فان الرجل منهم كان يتبنى ابن غيره فينسب إليه دون أبيه من النسب ويرثه وهذا التبني نوع من أنواع المعاهدة ولما بعث الله محمدا ( ﷺ ) تركهم في أول الأمر على ما كانوا عليه في الجاهلية ومن العلماء من قال بل قررهم الله على ذلك فقال وَلِكُلّ جَعَلْنَا مَوَالِى َ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالاْقْرَبُونَ ( النساء ٣٣ ) والمراد التوارث بالنسب ثم قال وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَئَاتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ ( النساء ٣٣ ) والمراد به التوارث بالعهد والأولون قالوا المراد بقوله وَالَّذِينَ عَلِيماً وَلِكُلٍ جَعَلْنَا مَوَالِى َ ليس المراد منه النصيب من المال بل المراد فآتوهم نصيبهم من النصرة والنصيحة وحسن العشرة فهذا شرح أسباب التوارث في الجاهلية
وأما أسباب التوارث في الإسلام فقد ذكرنا أن في أول الأمر قرر الحلف والتبني وزاد فيه أمرين آخرين أحدهما الهجرة فكان المهاجر يرث من المهاجر وان كان أجنبيا عنه إذا كان كل واحد منهما مختصا بالآخر بمزيد المخالطة والمخالصة ولا يرثه غير المهاجر وإن كان من أقاربه والثاني المؤاخاة كان الرسول ( ﷺ ) يؤاخي بين كل اثنين منهم وكان ذلك سببا للتوارث ثم إنه تعالى نسخ كل هذه الأسباب بقوله وَأُوْلُواْ الارْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ ( الأحزاب ٦ ) والذي تقرر عليه دين الإسلام أن أسباب التوريث ثلاثة النسب والنكاح والولاء
المسألة الثانية روى عطاء قال استشهد سعد بن الربيع وترك ابنتين وامرأة وأخا فأخذ الأخ المال كله فأتت المرأة وقالت يا رسول الله هاتان ابنتا سعد وإن سعداً قتل وان عمهما أخذ مالهما فقال عليه الصلاة والسلام ( ارجعي فلعل الله سيقضي فيه ) ثم إنها عادت بعد مدة وبكت فنزلت هذه الآية فدعا رسول الله ( ﷺ ) عمهما وقال ( أعط ابنتي سعد الثلثين وأمهما الثمن وما بقي فهو لك فهذا أول ميراث قسم في الاسلام
المسألة الثالثة في تعلق هذه الآية بما قبلها وجهان الأول أنه تعالى لما بين الحكم في مال الأيتام وما على الأولياء فيه بين كيف يملك هذا اليتيم المال بالارث ولم يكن ذلك إلا ببيان جملة أحكام الميراث الثاني أنه تعالى أثبت حكم الميراث بالاجمال في قوله لّلرّجَالِ نَصيِبٌ مّمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالاْقْرَبُونَ ( النساء ٧ ) فذكر عقيب ذلك المجمل هذا المفصل فقال يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِى أَوْلَادِكُمْ
المسألة الرابعة قال القفال قوله يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِى أَوْلَادِكُمْ أي يقول الله لكم قولا يوصلكم الى إيفاء حقوق أولادكم بعد موتكم وأصل الايصاء هو الايصال يقال وصى يصي إذا وصل وأوصى يوصي إذا أوصل فاذا قيل أوصاني فمعناه أوصلني الى علم ما أحتاج إلى علمه وكذلك وصى وهو على المبالغة قال الزجاج معنى قوله ههنا يُوصِيكُمُ أي يفرض عليكم لأن الوصية من الله إيجاب والدليل عليه قوله


الصفحة التالية
Icon