وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقّ ذالِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ ولا شك في كون ذلك واجبا علينا
فان قيل انه لا يقال في اللغة أوصيك لكذا فكيف قال ههنا يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِى أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِ الاْنْثَيَيْنِ
قلنا لما كانت الوصية قولا لا جرم ذكر بعد قوله يُوصِيكُمُ اللَّهُ خبرا مستأنفا وقال لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِ الاْنْثَيَيْنِ ونظيره قوله تعالى وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَة ً وَأَجْراً عَظِيماً ( الفتح ٢٩ ) أي قال الله لهم مغفرة لأن الوعد قول
المسألة الخامسة اعلم أنه تعالى بدأ بذكر ميراث الأولاد وإنما فعل ذلك لأن تعلق الانسان بولده أشد التعلقات ولذلك قال عليه الصلاة والسلام ( فاطمة بضعة مني ) فلهذا السبب قدم الله ذكر ميراثهم
واعلم أن للأولاد حال انفراد وحال اجتماع مع الوالدين أما حال الانفراد فثلاثة وذلك لأن الميت إما أن يخلف الذكور والاناث معا وإما أن يخلف الاناث فقط أو الذكور فقط
القسم الأول ما إذا خلف الذكران والاناث معا وقد بين الله الحكم فيه بقوله لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِ الاْنْثَيَيْنِ
واعلم أن هذا يفيد أحكاما أحدهما إذا خلف الميت ذكراً واحدا وأنثى واحدة فللذكر سهمان وللأنثى سهم وثانيها إذا كان الوارث جماعة من الذكور وجماعة من الاناث كان لكل ذكر سهمان ولك أنثى سهم وثالثها إذا حصل مع الأولاد جمع آخرون من الوارثين كالأبوين والزوجين فهم يأخذون سهامهم وكان الباقي بعد تلك السهام بين الأولاد للذكر مثل حظ الأنثيين فثبت أن قوله لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِ الاْنْثَيَيْنِ يفيد هذه الأحكام الكثيرة
القسم الثاني ما إذا مات وخلف الاناث فقط بين تعالى أنهم إن كن فوق اثنتين فلهن الثلثان وإن كانت واحدة فلها النصف إلا أنه تعالى لم يبين حكم البنتين بالقول الصريح واختلفوا فيه فعن ابن عباس أنه قال الثلثان فرض الثلاث من البنات فصاعدا وأما فرض البنتين فهو النصف واحتج عليه بأنه تعالى قال فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وكلمة ( إن ) في اللغة للاشتراط وذلك يدل على أن أخذ الثلثين مشروط بكونهن ثلاثا فصاعداً وذلك ينفي حصول الثلثين للبنتين
والجواب من وجوه الأول أن هذا الكلام لازم على ابن عباس لأنه تعالى قال وَإِن كَانَتْ واحِدَة ً فَلَهَا النّصْفُ فجعل حصول النصف مشروطاً بكونها واحدة وذلك ينفي حصول النصف نصيباً للبنتين فثبت أن هذا الكلام إن صح فهو يبطل قوله الثاني أنا لا نسلم أن كلمة ( ان ) تدل على انتفاء الحكم عند انتفاء الوصف ويدل عليه أنه لو كان الأمر كذلك لزم التناقض بين هاتين الآيتين لأن الاجماع دل على أن نصيب الثنتين إما النصف وإما الثلثان وبتقدير أن يكون كلمة ( إن ) للاشتراط وجب القول بفسادهما فثبت أن القول بكلمة الاشتراط يفضي إلى الباطل فكان باطلا ولأنه تعالى قال وَإِن لَّمْ تَجِدُواْ كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَة ٌ ( البقرة ٢٨٣ ) وقال لا جناح عليكم أن تقصروا من الصلاة إن خفتم ولا يمكن أن يفيد معنى الاشتراط في هذه الآيات


الصفحة التالية
Icon