بذلك كان يقضي به ويقول هكذا قضى أمير المؤمنين
حجة الأولين عموم قوله عليه السلام ( لا يتوارث أهل ملتين ) وحجة القول الثاني ما روي أن معاذا كان باليمن فذكروا له أن يهوديا مات وترك أخا مسلما فقال سمعت النبي ( ﷺ ) يقول ( الإسلام يزيد ولا ينقص ) ثم أكدوا ذلك بأن قالوا إن ظاهر قوله يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِى أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِ الاْنْثَيَيْنِ يقتضي توريث الكافر من المسلم والمسلم من الكافر إلا أنا خصصناه بقوله عليه الصلاة والسلام ( لا يتوارث أهل ملتين ) لأن هذا الخبر أخص من تلك الآية والخاص مقدم على العام فكذا ههنا قوله ( الإسلام يزيد ولا ينقص ) أخص من قوله ( لا يتوارث أهل ملتين ) فوجب تقديمه عليه بل هذا التخصيص أولى لأن ظاهر هذا الخبر متأكد بعموم الآية والخبر الأول ليس كذلك وأقصى ما قيل في جوابه أن قوله ( الإسلام يزيد ولا ينقص ) ليس نصا في واقعة الميراث فوجب حمله على سائر الاحوال
الفرع الثاني المسلم إذا ارتد ثم مات أو قتل فالمال الذي اكتسبه في زمان الردة أجمعوا على أنه لا يورث بل يكون لبيت المال أما المال الذي اكتسبه حال كونه مسلما ففيه قولان قال الشافعي لا يورث بل يكون لبيت المال وقال أبو حنيفة يرثه ورثته من المسلمين حجة الشافعي أنا أجمعنا على ترجيح قوله عليه السلام ( لا يتوارث أهل ملتين ) على عموم قوله لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِ الاْنْثَيَيْنِ والمرتد وورثته من المسلمين أهل ملتين فوجب أن لا يحصل التوارث
فان قيل لا يجوز أن يقال إن المرتد زال ملكه في آخر الإسلام وانتقل إلى الوارث وعلى هذا التقدير فالمسلم انما ورث عن المسلم لا عن الكافر
قلنا لو ورث المسلم من المرتد لكان إما أن يرثه حال حياة المرتد أو بعد مماته والأول باطل ولا يحل له أن يتصرف في تلك الأموال لقوله تعالى إِلاَّ عَلَى أَزْواجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ ( المؤمنون ٦ ) وهو بالاجماع باطل والثاني باطل لأن المرتد عند مماته كافر فيفضي إلى حصول التوارث بين أهل ملتين وهو خلاف الخبر ولا يبقى ههنا إلا أن يقال إنه يرثه بعد موته مستنداً إلى آخر جزء من أجزاء إسلامه إلا أن القول بالاستناد باطل لأنه لما لم يكن الملك حاصلا حال حياة المرتد فلو حصل بعد موته على وجه صار حاصلا في زمن حياته لزم إيقاع التصرف في الزمان الماضي وذلك باطل في بداهة العقول وإن فسر الاستناد بالتبيين عاد الكلام إلى أن الوارث ورثه من المرتد حال حياة المرتد وقد أبطلناه والله أعلم
الموضع الرابع من تخصيصات هذه الآية ما هو مذهب أكثر المجتهدين أن الأنبياء عليهم السلام لا يورثون والشيعة خالفوا فيه روي أن فاطمة عليها السلام لما طلبت الميراث ومنعوها منه احتجوا بقوله عليه الصلاة والسلام ( نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة ) فعند هذا احتجت فاطمة عليها السلام بعموم قوله لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِ الاْنْثَيَيْنِ وكأنها أشارت إلى أن عموم القرآن لا يجوز تخصيصه بخبر الواحد ثم ان الشيعة قالوا بتقدير أن يجوز تخصيص عموم القرآن بخبر الواحد إلا أنه غير جائز ههنا وبيانه من ثلاثة أوجه أحدها أنه على خلاف قوله تعالى حكاية عن زكريا عليه السلام يَرِثُنِى وَيَرِثُ مِنْ ءالِ يَعْقُوبَ ( مريم ٦ ) وقوله تعالى وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودُ ( النمل ١٦ ) قالوا ولا يمكن حمل ذلك على وراثة العلم والدين لأن ذلك لا يكون وراثة في الحقيقة بل


الصفحة التالية
Icon