التناسب القرآني عند البقاعي
المفهوم.
مما سمّى البقاعي به تفسيره:" نظم الدرر في تناسب الآيات والسور" وهي تسمية يقصد إليها قصدًا من أنَّ من أصوله التى يتخذها علاقةَ الاسم بالمسمى، وعدَّه التسمية من براعة الاستهلال الموحى بما هو مكنون في المسمى، وسوف ننظر في أصله هذا في موضعه اللائق به إن شاء الله تعالى
وأنت تراه قد جعل عمله " نظم دررٍ" في موضوع " تناسب الآيات والسور" ولعله ناظر إلى ما بين النظم والتناسب من علاقات اتفاق وافتراق، فكل تناسب نظٌم، وليس كل نظم تناسبًا
في التناسب ـ كما سيأتى إن شاء الله تعالى ـ ما ليس في النظم:
" التناسب " من أصول ثلاثة:" ن / س / ب" تدور على معنى: " اتصال شيء بشيء" كما يقول " ابن فارس" في مقاييس اللغة"
وهذا الاتصال إنَّما يكون اتصالاً جوهريًّا، فهو قائم على علائق جَوَّانيّة تجري في كُنْهِ المُتَنَاسِبِ، وتضبطُ بَرَّانيّه وهذا ما أنت تراه في عالمٍِ الإنسانِ: علاقة النسب فيهم علاقة جوهرية تجري في أوصالهم، وتشكل سماتهم المعنوية والحسية، وهى علاقات أبدية
وعالم البيان من عالم الإنسان، الكلمة فيه كالفرد من عالم الإنسان، وهذان العالَمان: البيانىّ والإنسانيّ يسيران على نهج سواء في كثير من أحوالهما
وهذا المصطلح: " التناسب " ذو دلالة على مدلوله غير دلالة " النظم " على مدلوله الذي اتخذه "عبد القاهرالجرجانيّ " لنظريته
دلالة مصطلح النظم على مدلوله يفتقر بيانُها إلى احتراز من أن يدخل فيه ما ليس مقصودًا إليه، ومن ثم تجد الإمام " عبد القاهر" يقول:
"ومما يجب إحكامه... الفرق بين قولنا: حروف منظومة وكَلِمٌ منظومة
وذلك أنَّ " نظم الحروف " هو تواليها في النطق، وليس نظمها بمقتضى عن معنى، ولا الناظم لها بمقتفٍ في ذلك رسمًا من العقل أن يتحرى في نظمه لها ما تحراه، فلو أن واضع اللغة كان قد قال "ربض" مكان: " ضرب" لما كان في ذلك ما يؤدي إلى الفساد.