وأما " نظم الكلم " فليس الأمر فيه كذلك؛ لأنَّك تقتفي في نظمها آثار المعانى في النفس
فهو إذن نظم يعتبر فيه حال المنظوم بعضه مع بعض، وليس هو "النظم" الذي معناه ضم الشيء كيف جاء واتفق... " (١)
و" التناسب" لايحتاج قائله إلى أن يحتاط كذلك إلا إذا وضع الكلمة في غير موضعها، ولم يلحظ جرثومة مدلولها الاشتقاقي المُؤَذِّنَة بأنّه علاقة جَوَّانيّة تجرى في الأشياء مجرى الروح من الجسد، ذات آثار برَّانيّة مصاحبة لها، خاضعة لسلطانها
فما بين آيات القرآن الكريم، وجمله البيانية ومعاقده وسوره علاقات معنوية، ذات نسب عريق فيما بينها، كأنَّه في ظهوره وإدراكه علاقات أبناء آدم ببعضهم: " كلّكم لآدم " كما هدت الكلمة النبوية المطهرة، وإن كان ذلك النسب في اعتلاقه وآثاره أعظم وأجل مما بين أبناء آدم
و" البقاعي" يجعل التناسب القرآني علما من علوم القرآن الكريم، يكشف لنا عن مفهومه بقوله:
"علم تعرف منه علل ترتيب أجزاء القرآن، وهو سِرُّ البلاغة لأدائه إلى تحقيق مطابقة المقال لما اقتضاه الحال " (٢)
وهو إذ يستخدم مصطلح " العلم" ينطلق من مفهومه في المصطلح العربي، الدَّال على " إدراك الأصول والقواعد عن دليل، وإمكان استحضارها متى أريد"
ومن خلال هذا يقف الدارس موقف فقه وعرفان بالعِلَلِ المقتضية الإتيان بكل كلمة وما هو أكثر منها في الموطن الملائم، وعلى الهيئة المناسبة
وأنت تلحظ أن " البقاعي" قد عرف هذا العلم بأثره لابحقيقته، وكنهه، فقال: علم تعرف منه
وهو بهذا يكشف لنا عن أثر هذا العلم فيمن أحاط به أوأدركه، فبإدراك أصوله نقف على ما كان مقتضيا أن توضعَ أجزاءُ القرآنِ الكريمِ: الكلمة وما فوقها في رتبتها التى وضعت فيها

(١) – دلائل الإعجاز لعبد القاهر: ص: ٤٩ – ت: شاكر – ط: المدنى – نشر الخانجي
(٢) – نظم الدرر: ١/٦، ومصاعد النظر: ١/١٢٤


الصفحة التالية
Icon