وهذا يحقق أيضًا: " الاطلاع على الرتبة التى يستحقها الجزء بسبب ما له بما وراءه وما أمامه من الارتباط والتعلُّق الذي هو كلحمة النسب " (١).
الاطلاع على الرتبة فوق الاطلاع على النظم: في " الترتيب " ملاحظة رتب الأشياء وأقدارها، فلا يُوضع شيءٌ إلا في المرتبة التى يستحقها، أما النظم، فهو في أصله ضم الأشياء بعضها إلى بعض من غير تقييد بملاحظة رتب هذه الأشياء ومنازلها
يزيدك بصرًا بهذا النظرُ في قول " عبد القاهر ":
" ووجدت المعول علي أن ههنا
(نظما وترتيبا/ وتأليفا وتركيبا)
و (صياغة وتصويرا/ ونسجا وتحبيرا) (٢)
فهذه ثمان نسقها الإمام في هذا الموضع نسقا عجيبا دالا على تصاعدها، فمبدأ مراحل " البناء" " النظم، ومنتهاها" التركيب" ومبدأ مراحل الهيئة (التصوير) :" الصياغة" ومنتهاها" التحبير"
وليس المقام لبسط القول في مقالة " عبد القاهر" لكنِّى أردت إلإشارة إلى ان الترتيب مرحلة أعلى من مرحلة " النظم "، في بناء المعاني، والنظم أساسها جميعا، ولعلَّ ذلك ما جعل " عبد القاهر " يطلقه" على سائر منازل العلاقات بين الكلم، فما من مرحلة إلا والنظم قائم فيها،
وإذا ما كانت عبارة " البقاعي" هنا دالةً على أنَّه يرى أن علم التناسب مقصور على بيان الرتبة بين أجزاء الكلام، والرتبة واحدة من أحوال الكلام، فيوحي بتقصير في موقفه، فإن الأمر يزداد تحريرًا بقوله عن صنيعه في بيان التناسب بين الجمل والآيات:
إنه " يمهد لكل جملة مهادًا يدلّ الحال الذي اقتضى حلولها، وأوجب ترتيبها على ما قبلها من شكلها أو ممَّا أوجب تأكيدها أو إعْراءَها وتقييدها، ونحو ذلك من أفانين الكلام وأساليب النظام" (٣)
(٢) – دلائل الإعجاز لعبد القاهر: ص ٣٤
(٣) – مصاعد النظر للبقاعي: ج١ص١٠٢