ويبين أن علم التناسب يتناول كل أحوال البيان التركيبية والترتيبية، وأنَّه ((به يتبين لك أسرار القصص المكررات، وأن كل سورة أعيدت فيها قصة فلمعنى ادعى في تلك السورة استدلَّ عليه بتلك القصة غير المعنى الذي سيقت له السورة السابقة
ومن هنا اختلفت الألفاظ بحسب الأغراض، وتغيرت النظوم بالتأخير والتقديم والإيجاز والتطويل مع انها لايخالف شيء من ذلك أصل المعنى الذي تكونت به القصة " (١)
علم التناسب عنده إذن يتناول بيان مقتضيات أحوال تركيب وترتيب أجزاء الكلام وعناصره على اختلاف مقاديرها
ولعلَّه حين اقتصرعلى جانب الترتيب في تعريفه " علم التناسب " نظر إلى قوله من بعد ذلك: " هو سر البلاغة؛ لأدائه إلى مطابقة المقال لما اقتضاه من الحال"
ذلك أن المعهود في تحقيق المطابقة النظر في تركيب الجمل أكثر من النظر في الترتيب بين الفِقر والمعاقد (الفصول)
لعلَّه أراد بما صنع أن يلفت البصائرَ إلى منزلة "الترتيب " بين الفقر والمعاقد في" علم التناسب القرآني " وأنه لايقل منزلة في الإعجاز البيانى للقرآن الكريم عن التركيب في مجال الجملة.
ولعله أيضا يشير بالاقتصارِ على التَّصريحِ بالتّضرتيبِ في التعريفِ إلى المستوى الأعلَى، ذلك أنَّ " التناسب " الذي هو سِرُّ الإعجازِ القرآنى يعتمد على نوعين من النظم عنده للثانى منهما ماليس للأول
***
مستويات التناسب.
التناسب القرآني عنده قائم من ضربين من النظم، أحدهما أعلى من الآخر:
﴿الأول: النظم التركيبي..﴾ :
هو عنده: " نظم كل جملة على حيالها بحسب التركيب (٢)
هذا النظم يتناول كلَّ مظهرٍ بلاغيٍّ في إطار الجملة القرآنية سواء ما تعلق بركنيها أو بالمتعلقات، وإن تكاثرت، وسواء كانت الجملة صغرى أو كبرى ممتدة تشتمل على مجموع جمل وآيات، بل قد تكون السورة القرآنية جملة واحدة
(٢) – نظم الدرر: ١ / ١١