هو معجزٌ في اصطفاء مفرداته، وفي بناء جمله، وفي بناء آياته، ومعاقده وسوره، لافرق في ذلك بين شيء وآخر، وفي جميع مكنوناته المعنويّة: هو معجِزٌ معنى ومبنى، يقول:
" أمَّا مِنْ جهةِ المُفرداتِ، فلكونها النهاية في جلالة الألفاظ ورشاقة الحروف وجمع المعانى، فيفيد ذلك أنَّه لاتقوم كلمة أُخرَى مقام كلمةٍ منه أصلاً
وأمَّا من جهةِ التركيب، فلكون كلِّ كلمة منها أحقُّ في موضعها بحيثُ إنَّه لو قدم شيء منها أو أخر لاختل المعنى المراد في ذلك السياق بحسب ذلك المقام
وأمَّا من جهةِ الترتيب في الجمل والآياتِ والقصص في المبادئ والغايات، فلكون مثل تركيب الكلمات: كلُّ جملة منتظمة بما قبلها انتظام الدُّرِّ اليتيم في العقد المحكم النظيم؛ لأنها إمَّا أن تكون عِلَّةً لما تلته، أوْ دليلاً، أوْ متَمِّمةً بوجهٍ من الوجوهِ الفائقةِ على وَجْهٍ ممتنع الجَنابِ، جليلِ الحجاب؛ لتكون أحْلَى في فمهِ، وأجْلَى بعدَ ذوْقِهِ في نظمهِ وسائر علمه " (١)
هو إذن لايقف به مذهبه عند بناء الجملة من كلمات، ولا بناء آية من جمل، وإن بلغت الآية من البسط مبلغًا، بل يتجاوز به بناء المعقد من الآيات، وبناء السورة من المعاقد، وبناء القرآن الكريم كلِّه من السُّوَرِ
أصغر وحدة من النظم الترتيبي الذي هو روح البيان عنده إنما هي الجملة الكاملة، وأكبر وحدة هي السورة القرآنية.
الوحدات في النَّظم التركيبيِّ المُنْتِجِ الجملة تستحيل في علاقتها ببعضها، كوحدات بناء الكلمة التى هي الحروف والحركات في بناء بعضها ببعض.
ومن البين أنَّ أيَّ تغييرٍ يطرأُ على أيِّ وحدةٍ (حرف أو حركة) في بناء الكلمة إنما يؤثر في دلالة الكلمة، وقدرتها الدِّلاليِّة تأثيرًا بيِّنًا عند قومٍ، وخفيًّا عند آخرين، إى أنَّه تأثيرٌ قأئمٌ يختلفُ ظهورًا وخفاءً اختلافًا نسبيًّا لأمورٍ ترجع إلى ملكات المتلقين.