ومن ثَمَّ كانت أول صفة للمتقين فيها هي صفة الإيمان بالغيب (هدى للمتقين الذين يُؤْمِنُونَ بِالغَيْب... ) فهذا الإيمان بالغيب هو أساس كلّ عمل صالحٍ مُصْلِحٍ، فإنَّه لامعنى البتة لأيِّ عمل صالح أو إيمان بدين إذا لم يكن ذلك مؤسسا على تقرر معنى الإيمان بالغيب
، فليس هنالك دين من الأديان لايقوم إلا على ما ترى الأعين كلها وما تسمع الآذان كلها وما تلمس الأيدى.... بل إنَّ أساس كل دين يدين به أحد من العباد باطلا كان ذلك الدين أو كان حقًا نازلاً به الوحي الإلهي من السماء إنَّما هو الإيمانُ بالغيب؛ لأنَّ أساس الدين الإيمان بوجود ووحدانية الإله المعبود.
ولا يصلح الإله المعبود أن يكون مشهودًا ملموسا بل لابد أن يكون غيبا مطلقا تشهد الأبصار والبصائر دلائل وجوده ووحدانيته وكمال جلاله وجماله وقهره ورحمته... إلخ
ومن ثَمَّ كان مقصود السورة الأولى من سور تفصيل أم الكتاب الفاتحة: سورة البقرة الهداية إلى الإيمان بالغيب.
وهذا تراه جليًا في تسمية السورة بالسنام، والذروة، والفسطاط، فإنَّ الفسطاط جامعٌ لما كان منه بسبب.
وإذا ما جاء " البقاعيّ " لتبيان المقصود الأعظم من سورة (آل عمران) فإنَّه يبسط القول في هذا:
يبيّن لنا ما كان قد ظهر له أوَّل الأمر في تاويلها، فلمَّا راجع وبالغ التدبّر تبين له تحرير مقصودها على نحو آخر، وهو يبسط القول، فيبين علاقة مقصود سورة (آل عمران) بمقصود سورة (البقرة) ومقصودهما معا بمقصود سورة (الفاتحة) بل إنه ليبسط النظر أكثر، فيمدُّه إلى مقصود سورة (النساء).