يقول:" المقاصد التي سيقت لها هذه السورةُ إثبات الوحدانية لله - سبحانه وتعالى -، وإلإخبار بأنَّ رئاسةَ الدُّنْيَا بالأموال والأولاد وغيرهما مما آثره الكفار على الإسلام غير مغنية عنهم شيئًا في الدنيا، ولا في الآخرة، وأنَّ ما أعدَّ للمتقين من الجنَّةِ والرضوان هو الذي يَنْبغِي الإقبالُ عليْهِ والمسارعةُ إليهِ.
وفي وصف المتقين بالإيمان والدعاء والصبر والصدق والقنوت والإنفاق والاستغفار ما يتعطف عليه كثير من أفانين أساليب هذه السورة.
هذا ما كان ظهر لي أولاً.
وأحسنُ منه أن نخصَّ القصدَ الأول وهو التوحيد بالقصد فيها، فإنَّ الأمرين الأخيرين يرجعان إليه، وذلك لأنَّ الوصف بالقيومية يقتضي القيام بالاستقامة، فالقيام يكون على كلّ نفسٍ، والاستقامة العدلُ......
وهذا الوجه أوفق للترتيب
لأنَّ الفاتحة لماَّ كانت جامِعةً للدين إجمالاً جاء ما به التفصيلُ محاذِيًا لذلك، فابتدئ بسورة الكتاب [البقرة] المحيط بأمرالدين، ثُمّ بسورة التوحيد [آل عمران] الذي هو سرُّ حرف "الحمد"، وأوَّل حروف الفاتحة، لأنَّ التوحيدَ هو الأمرُ الذي لايقوم بناءٌ إلاَّ عليه، ولمَّا صحَّ الطريقُ، وثبت الأساسُ جاءت التي بعدها [النساء] داعيةً إلى الاجتماع على ذلك.
وأيضًا فلمَّا ثبت بالبقرة أمرُ الكتابِ في أنَّه هدى، وقامت به دعائم الإسلام الخمس جاءت هذه [آل عمران] لإثبات الدعوة الجامعة في قوله - سبحانه وتعالى - (يَأيُّها النَّاسُ اعْبُدُوا ربَّكُمْ) (البقرة: ٢١) فأثبت الوحدانية لله - عز وجل - بإبطال إلهية غيره بإثبات أنّ " عيسى" - عليه السلام - الذي كان يحيى الموتى عبدُهُ، فغيره بطريق الأوْلَى، فلمَّا ثبتَ أنَّ الكُلَّ عبيدُهُ دعت سورة " النساء" إلى إقبالهم إليه، واجتماعهم عليه.