ومما يدلّ على أنَّ القصد بها [أي آل عمران] هوالتوحيد تسميتها بـ " آل عمران" فإنَّه لم يعرب عنه في هذه السورة ما أعربَ عنه ما ساقه - سبحانه وتعالى - فيها من أخبارهم بما فيها من الأدلة على القدرة التامة الموجبة للتوحيد الذي ليس في درج الإيمان أعلى منه، فهو التَّاجُ الّذي هو خاصَّة الملك المحسوسة، كما أنَّ التوحيد خاصته المعقولة.
والتوحيد موجب لزهرة المتحلِّي به، فلذلك سمّيت الزهراء" (١)
هذه الوحدانية هي اللبنة الثانية في أساس الإيمان؛ لأنَّه إذا تقرَّر أنَّ الإله لابُدَّ أن يكونَ غيبًا غيرَ منظورٍ أو ملموسٍ، فإنَّه أيضًا لابدَّ أن يكون واحدًا، فكما أنه يتعاند مع معنى الألوهية أن يكون الإله مشهوداً منظورًا ملموسا يتعاند أيضًا مع معنى الألوهية أن يكون الإله غير واحد؛ لأنَّ هذا يترتَّبُ عليه فسادُ الكون والحياة فسادًا يقرره منطق العقل المُعافَى من الضلالة.
التعالق بين سورة " البقرة " وسورة " آل عمران " تعالق عظيم؛ لأنهما قائمان على أمر واحد هو تقرر ما هو جوهر في معنى الألوهية وما يجب أن يكون أساسًا عظيما من أسس صفات الإله المعبود بحق:
أن يكون غيبا لاتدركه الأبصار وأن يكون واحدًا ليس كمثله شيء، وهذا كأنَّه من عطف الخاص على العام.
وهذا التعالق تراه بادِيا في ما جاءت به السُّنَّة النبوية الشريفة في فضل هاتين السورتين.
روى "مسلم " في صحيحه من كتاب: صلاة المسافرين: باب فضل قراءة القرآن وسورة البقرة بسنده عن أبي أُمامة البَاهِليّ - رضي الله عنه - أنَّه سمع رسول الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا يقول: " اقرأوا القُرآنَ، فإنَّه يَأتِي يَومَ القِيامَة شَفِيعًا لأصْحابِه.

(١) - نظم الدرر: ٤/١٩٥-١٩٧


الصفحة التالية
Icon