اقرَأُوا الزَّهْرَاوينِ: البقرة وسورة آل عمران، فإنَّهما تأتيان يوم القيامة كأنَّهما غَمَامَتان أوْ كأنَّهُمَا غَيَايَتَانِ أوْ كَأنَّهُما فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صوافّ تُحاجَّانِ عَنْ صَاحبهما.
اقرأُوا سُورة البقرة فإنَّ أخذها بركةٌ، وتركها حسرةٌ، ولا يسْتطيعُها البطَلَةُ " (حديث رقم: ٢٥٢/٨٠٤)
فهذا دالّ دلالة جليلة على ما بين هاتين السورتين من التناسب والتآخي، والتناسل والتناغي.
والبقاعي كما سمعته لم يكتف ببيان تعالق مقصود سورة (آل عمران) بمقصود سورة (البقرة) بل إنَّه ليمد النظر إلى علاقة مقصود سورة (النساء) بما قبلها
في مفتتح تأويله سورة " النساء " يبيّنُ لنا ما به يتقرر العلم ويتأكّدُ أنَّ مقصودها مبنيٌّ على مقصود " آل عمران" المبنيّ على مقصود سورة "البقرة" قائلا:
" مقصودها: الاجتماع على التوحيد الذي هدت إليه "آل عمران "، والكتاب الذي حدت عليه "البقرة "؛ لأجل الدين الذي جمعته " الفاتحة " تحذيرًا مما أراده " شاس بن قيس ِ"، وأنظاره من الفرقة " (١)
وأنت إذ تنظر في الأحكام والآداب التى قامت بها سورة "النساء" ترى أنها أحكامٌ وآدابٌ تحقق للمجتمعِ الآخذِ بها اجتماعُه على أساس الدين: " التوحيد ".
هذا الأساس إذا ما أقيمت عليه علائق أي مجتمع بحيث تكون حركته مرتبطة باليقين بأنَّه ليس لهذا الكون إلا إله واحد وخالق واحد ومالك واحد ومنعم واحد ومانع واحد.... فإنِّك لن ترى في هذا المجتمع ما تراه في غيره من المجتمعات التى لا تُؤسِّس دينها على التوحيد الخالص.
ويأتي تأويل " البقاعي " وتبيانه المقصود الأعظم لسورة " المائدة " فلا يخرج عن ذلك المنهاج، فيقول:
" مقصودها الوفاء بماهدى إليه الكتاب، ودلَّ عليه ميثاق العقل من توحيد الخالق ورحمة الخلائق شكرًا لنِعَمِه واستدفاعًا لنقمه " (٢)
ويقول في سورة "الأنعام ":

(١) - نظم الدرر: ٥/١٦٩
(٢) - السابق: ج ٦ ص: ١


الصفحة التالية
Icon