" مقصودها إثبات الحكمة للكتاب اللازم منه حكمة منزله سبحانه في أقواله وأفعاله، وقصّة لقمان المسمَّى بها السورة دليل واضح على ذلك كأنّه - سبحانه وتعالى - لمَّا أكمل ما أراد من أوَّل القرآن إلى آخر" براءة " التي هي سورة غزو الروم، وكان - سبحانه وتعالى - قد ابتدا القرآن بعد " أمّ القرآن " بنفي الرَّيب عن هذا الكتاب وأنَّه هدًى للمتّقين واستدلّ على ذلك فيما تبعها من السور، ثُمَّ ابتدأ سورة" يونس "بعد سورة غزو الروم بإثبات حكمته، وأتبع ذلك دليله إلى أنْ ختم سورة الروم، ابتدأ دورًا جديدًا على وجه اضخم من الأول فوصفه في أوّل هذه التالية للروم بما وصفه به في" يونس " التالية لغزو الروم، وذلك الوصف هو الحكمة، وزاد أنَّه هدى وهداية للمحسنين، فهؤلاء أصحاب النهايات، والمتقون أصحاب البدايات.
ولمَّا أثبت في" آل عمران " [التالية للبقرة التي هي أوَّل المرحلة الأولى] أنّه أنزل بالحق أثبت في" السجدة " التالية للقمان التي هي أول المرحلة الثالثة] تنزيله ونفي الريب عن أنّه من عنده - عز وجل - وأثبت أنّه الحقُّ واستمر فيما بعد هذا من السور مناظرًا في الأغلب لما مضى كما يعرف ذلك بالإمعان في التذكّر والتَّأمُّلِ والتَّدبُّر" (١)
ويقول في مفتتح تأويل سورة (الحجرات) :
"حاصل مقصودها مراقبة النبيّ - ﷺ - في الأدب معه؛ لأنَّها أوَّل المفصّل الذي هو ملخَّصُ القرآن الكريم، كما كان مقصود (الفاتحة) التي هي أوَّلُ القرآن مراقبة الله - عز وجل -
وابتدئ ثاني المفصّل بحرف من الحروف المقطّعة، كما ابتدئ ثاني ما عداه [المئين والمثاني] بالحرف المقطَّعة " (٢)
كذلك يتبيّن لك عناية "البقاعيّ"بالنظر في تصاعد المعنى القرآني، وتصاعد المقاصد الكلية.

(١) - نظم الدرر: ١٥ / ١٤١
(٢) - السابق: ١٨ / ٣٤٩ - ٣٥٠


الصفحة التالية
Icon