والقول بتصاعد مقاصد السور وتناسلها من بعضها مبناه القول بأنَّ من وراء ترتيب سور القرآن الكريم معنى من معاني الإعجاز البياني للقرآن الكريم وهذا ما يزداد بيانه تأسيسًا وتقريرًا في المَعْلَمَيْنِ الآتيين من بعد..
المعلم الثَّالث.
علاقة فاتحة كل سورة بخاتمة ما قبلها.
لكلِّ سورة مطلع تلاوة ومقطع ترتيل، وسوف يتبين لنا مَنْزِلُ المطلع في الدلالة على مقصودهاومضمونهاومنزل المقطع في تكريس معانيها وتكثيف مضامينها.
و"البقاعيُّ " ذو عناية بالنظر في تأويل علاقة مطلع السورة بمقطع ما قبلها مثلما كان ذا عناية بتأويل علاقة مقاصد السور ببعضها، ليكون التناسب بين السورذا أسباب عديدة ومتجليًا في مظاهر كثيرة
وقولنا " مطلع " السورة، أو فاتحتها، و" مقطع " السورة أوخاتمتها لايعنى أن مطلعها هو منقطع عن السابقة عليها
المصطلح هنا ليس منظورًا فيه إلى علائق معاني السور، وإنما منظور فيه إلى شأن التلاوة والترتيل
المهمّ أنّ " البقاعيَّ " ليس منهاجه بالمقتصر على أن يربط الآية الأولى من السورة بأخر آية من التي قبلها فحسب، بل مستهل السورة عنده هو مفتاحها ومكتنز مقصودها، فربط أولها بآخر التي قبلها الممثل حسن ختامها الراجع على مستهلها هو في حقيقته ربط مقصود بمقصود، فصنيعه هنا ليس ربط جزئيات بجزئيات بل ربط مضمون كليٍّ لسورة بمضمون كلىٍّ لأُخرى سابقة عليها، وهذا ضرب من التصريف المنهجي لدي البقاعي في تقرير الحقيقة التي انتهى إليها.
يقول في إيلاء سورة "المائدة" سورة "النساء":
" لمَّا أخبر تعالى في آخر سورة "النساء" أنّ اليهود لمَّا نقضوا المواثيق التي أخذها عليهم حرم عليهم طيبات أحلّت لهم من كثير من بهيمة الأنعام المشار إليها بقوله: