فإذا ما كان هذا منظورًا فيه إلى حال الأمة من قبل أن يثوب الناس إلى الإسلام ويرسخ في قلوبهم، فإن الأمر يقتضي مراعاة مقتضى الحال الذي انتهى إليه الناس من رسوخ الإسلام في قلوبهم، فيكون للقرآن الكريم ترتيبه الذي يراعي مقتضي حال آخرى غير التي راعها الترتيب النزولي.
ولكن يبقى أمر وهو أنَّ "العراقي" سأل عن تأليف السور وليس تأليف الآيات في السورة ونهاية الخبر تقول:
" فأخرجت له المُصحف، فأملت عليه آيَ السّورةِ "
وفي رواية (آي السور)
مقتضى الظاهر أن يقول الخبر: فأخرجت له المُصحف، فأملت عليه تأليف السور، وليس آيَ السورة، فليس تأليف آي السورة هو مناط مساءلة، فما الوجه في هذا؟
يقول "ابن حجر " في فتح الباري:
" الذي يظهر لي أن هذا العراقي كان ممن يأخذ بقراءة ابن مسعود وكان ابن مسعود لما حضر مصحف عثمان إلى الكوفة لم يوافق على الرجوع عن قراءته ولا على إعدام مصحفه... فكان تأليف مصحفه مغايرا لتأليف مصحف عثمان.
ولا شك أن تأليف المصحف العثماني أكثر مناسبة من غيره فلهذا أطلق العراقي أنه غير مؤلف.
وهذا كله على أن السؤال إنما وقع عن ترتيب السور ويدل على ذلك قولها له: " وما يضرك أيَّه قرأت قبل "
ويحتمل أن يكون أراد تفصيل آيات كل سورة لقوله في آخر الحديث: فأملت عليه أي السور" أي آيات كل سورة كأنْ تقول له سورة كذا مثلا كذا كذا آية الأولى كذا الثانية... الخ
وهذا يرجع إلى اختلاف عدد الآيات وفيه اختلاف بين المدني والشامي والبصري وقد اعتنى أئمة القرَّاء بجمع ذلك وبيان الخلاف فيه، والأول أظهر ويحتمل أن يكون السؤال وقع عن الأمرين والله أعلم " (١)
والذي قاله " ابن حجر " ليس فيه غناء أو شفاء

(١) - فتح الباري لابن حجر: ٩/٣٢


الصفحة التالية
Icon