والذي يبدو لي في صنيع " أم المؤمنين: عائشة " رضي الله تعالى عنها في إملائها آي السورة أو السور إنَّما هو من قبيل أسلوب الحكيم النازع إلى لفت انتباه السائل إلى ما هو أولى به أن يسأل عنه، فكأنها تشير إلي العراقيّ أنَّ الذي هو أولى بمثلك أن تعنى بتأليف آيات السورة، فأنت أو مثلك أحوج إلى ذلك من أن ينازع غيره في تأليف السور، وحتى لايتخذ العراقيّ صنيعها سببا في مجادلة أو مجالدة الآخذين بترتيب مصحف " ابن مسعود " أو مصحف " أبيّ بن كعب "، فيقف في وجه الآخر وفي يده نسخة من مصحف أم المؤمنين، وهي من هي، فيحتدم التجادل، وذلك من حكمتها في درء الفتنة وغلق باب المجادلة فيما لايليق بالأمة التنازع فيه وهي مهمومة حينذاك بما هو أهم من ذلك
ويحسن أنْ نستمع في هذا إلى كلمة " أبي سليمان حمد الخطابيّ (ت٣٨٨) في هذه المسألة:
" والقدر الذي يحتاج إلى ذكره هنا هو أنْ يُعلم أنّ القرآن كان مجموعًا كله في صدور الرجال أيام حياة رسول الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا ومؤلفا هذا التأليف الذي نشاهده وقرؤه، فلم يقع فيه تقديم ولا تأخير ولا زيادة ولا نقصان إلا سورة "براءة" كانت من أواخر ما نزل من القرآن لم يبين رسول الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا موضعها من التأليف حتى خرج من الدنيا، فقرنها الصحابة بالأنفال.
وبيان ذلك في خبر "ابن عباس" قال: " قلت لعثمان ما حملكم على أن عمدتم إلى براءة وهي من المئين، وإلى الأنفال وهي من المثاني، فقرنتم بينهما ولم تجعلوا بينهما سطرا فيه ﴿بسم الله الرحمن الرحيم﴾ ووضعتموهما في السبع الطوال؟.....
(الحديث (الترمذي: التفسير حديث: ٣٠٨٦)