هذادالٌّ من أبي سليمان الخطّابيِّ على أن جمع القرآن الكريم في الصدور مرتبا آياته وسوره قائم على عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثيرًا، ومبين وجه تأخير جمعه على ذلك النحو بين دفتي مُصحف، ووجه قيام الصحابة بجعل جمعه كذلك في الصدور زمن النبوة مضموما إليه جمعه بين دفتين، فكان الجمعان توثيقًا وتحقيقا مخافة أن يزول الجمع الأول بزوال الصدور التي جمعته حين استحر القتل بكثير منهم جهادًا في سبيل الله - سبحانه وتعالى -، فما فعله الصحابة من الجمع لم يكن أكثر من استنساخ الجمع القائم في الصدور ليكون بين دفتي مصحف، وهذا شأنه شأن الوراقين الذين ينسخون الكتاب من النسخة الأم التي أبدعها ورتَّبها وألف بين أجزائها مؤلف الكتاب في عالم اهل العلم، فلا يكون من الورَّاق إلا أن ينقله من النسخة الأم التي خطها مؤلفها كما هي إلى نسخ أخرى متعددة، غير أن النسخة الأم هنا في شأن القرآن الكريم كانت الصدور المحفوظة بالإيمان والمحفوظ ما بها من القرآن الكريم بحفظ منزله - سبحانه وتعالى - على عبده ونبيه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا
﴿إنَّا نحنُ نزَّلْنَا الذِكْرَ وَإِنَّا لَه لحَافِظُونَ﴾ (الحجر: ٩)