فعلم بهذا علمًا جلِيًّا أنَّه شرعَ - سبحانه وتعالى - في ردّ المقطع على المطلع من سورة قريش الذين أكرمهم الله - سبحانه وتعالى - بإنزال القرآن بلسانهم، وأرسل به النبيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا كما أكرمهم ببناء البيت في شأنهم، وتعظيمه إغناهم وأمنهم.
ومن أعظم المناسبات في ذلك كون أول السورة التي أخذ فيها في ردُّ المقطع على المطلع شديد المشابهة للسورة المناظرة لها حتى إنَّ في كلّ منهما مع التي قبلها كالسورة الواحدة، فإنَّ براءة مع الأنفال كذلك حتَّى قال "عثمان" - رضي الله عنه -: " إنََّ النبيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا توفيَ ولم يبين أمرها، فلم يتحرَّرْ له أنَّها مستقلةٌ عنها، ولذلك لم يكتب بينهما سطر ﴿بسم الله الرّحمنِ الرَّحيم﴾
وكانت هذه التي من الآخر مقطوعًا بأنها مستقلة مع ما ورد من كونها مع التي قبلها سورة واحدة في مصحف " أبي ّ"- رضي الله عنه -، وقراءة "عمر" - رضي الله عنه - لهما على وجه يشعر بذلك، كما مضى إشارة إلى أنَّ الآخري كون أوضح من الأول ومن أغرب ذلك أنَّ السورتين اللتين قبل سورتي المناظرة بين أمريهما طباق، فالأولى في الاخر وهي " الفيل" أكرم الله - عز وجل - فيها قريشًا بإهلاك أهل "الإنجيل"، والأولى في الأول، وهي " الأنفال " أكرمهم الله - جل جلاله - فيها بنصر أهل القرآن عليهم بإهلاك جبابرتهم، فكان ذلك سببًا لكسر شوكتهم، وسقوط نخوتهم المفضي إلى سعادتهم
وعلم أنَّ البراءة وغيرها إنما عمل لإكرامهم؛ لأنهم المقصودون بالذات وبالقصد الأوَّلِ بالإرسال والنَّاسُ لهم تبعٌ، كما أنَّ جميع الرسلِ تبعٌ للرسولِ الفاتحِ الخاتمِ... )) (١)