وهو هنا يهدى إلينا إرشادًا أن نمدَّ مجال الدرس البلاغي للأساليب فلا نجعلها بالمنحصرة في بناء الجملة أو الآية بل نتجاوز ذلك إلى بناء المعقد أو السورة بل القرآن الكريم كله.
الطباق يمتد به من التقابل بين كلمتين في بناء الجملة أو الجملتين في بناء الآية أو البيت إلى أن نجعله مقابلة بين قصة وقصة كمثل ما عرفه المفسرون والبلاغيون من عطف القصة على القصة، ونمتد به فنجعله تقابلا بين سورة وسورة.
وبهذا يكون عندنا طباقٌ مفرد وطباق متعدد وطباقٌ كليّ مركبٌ، وقد كان للبلاغيين نظر كذلك في التشبيه، ولكنهم لم يفعلوا في شأن الطباق وهو بذلك جدير.
وكذلك " التَّصدير " نتجاوز به رد العجز على الصدر في بناء البيت إلى بناء الفصل في القصيدة ورد عجز القصيدة على مطلعها، وفي البيان القرآني نتجاوز به إلى ردّ عجز السورة على مطلعها وردّ مقطع البيان القرآني الكريم تلاوته على مطلعه، ويمكن أن يفعل مثل هذا في أساليب التقديم والتأخير والحذف والفصل والوصل.
مجمل الأمر أنَّ هذا الذي كان من" البقاعيّ " دالٌّ على أنَّه ذاهب إلى أن ترتيب سور القرآن العظيم فيه من أسرار الإعجاز البياني ما فيه، وأنه ليس بالمعجز في نظم تراكيب جمله أو آياته بل في ترتيب آياته وسوره
ولو أنَّ البلاغيين المحدثين انصرفت عناية جمع منهم إلى الوفاء ببعض حق هذا الباب من التأمل والتدّبر واستنباط أصول بلاغته في القرآن الكريم لكان لنا أن نقيم إلى مأ أقامه الأسلاف ما يرضي به الله - عز وجل - عنا من أنّه من باب النصيحة لكتابه الكريم.