في كتابه "مصاعد النظر" يقرر أنّ ((كلَّ سورة لها مقصد واحدٌ يدار عليه أولها وآخرها، ويستدلّ عليها فيها، فترتب المقدمات الدَّالة عليه على أتقن وجه وأبدع نهجٍ وإذا كان فيها شيءٌ يحتاج إلى دليل استدلّ عليه، وهكذا في دليل الدليل، وهلمَّ جرّا، فإذا وصل الأمر إلى غايته ختم بما منه كان ابتداء، ثُمَّ انعطف الكلام إليه، وعاد النظر عليه، على نهج بديع ومرقى غير الأول منيع، فتكون السورة كالشجرة النضيرة العالية والدوحة البهيجة الأنيقة الحالِيِة المُزَيَّنَة بأنواع الزينة المنظومة بعد أنيق الورق بأفنان الدرّ وأفنانها منعطفة إلى تلك المقاطع كالدوائر، وكلّ دائرة منها لها شعبة متصلة بما قبلها، وشعبة ملتحمة بما بعدها، وآخر السورة قد واصل أولها كما لاحم انتهاؤها ما بعدها، وعانق ابتداؤها ما قبلها، فصارت كلّ سورة كدائرة كبرى مشتملة على دوائر الآيات الغرّ البديعة النظم العجيبة الضَمّ بلين تعاطفِ أفنانها وحسن تواصل ثمارها وأغصانها " (١)
هو في هذا منطلق من القاعدة الكلية التى أرشده إليه شيخه "أبو الفضل المشداليّ المغربي " والتى نصَّ عليها في مفتتح تأويله سورة "الفاتحة" قائلا: " الأمر الكُلّي المفيدُ لعِرْفانِ مناسبَات الآياتِ في جميع القرآن هو أنّك تنظرُ إلى مراتبِ تلك المقدِّمات في القربِ والبعدِ من المطلوبِ، وتنظرَ عند انجرار الكلام في المقدمات إلى ما يستبعته من استشراف نفس السامع إلى الأحكام واللوازم التابعة له التي تقتضي البلاغة شفاء العليل بدفع عناء الاستشرافِ إلى الوقوفِ عليْها ٠فهذا هو الأمر الكلّيُّ المهيمن على حكم الربطِ بينَ جميعِ أجزاء القرآنِ، وإذا فعلته تبين لك إن شاء الله تعالى وجه النظم مفصلا بين كلّ آية وآية في كلّ سورة وسورة، والله الهادي " (٢)
(٢) - نظم الدرر: ١ /١٧ - ١٨