يعنى بالمنادي – والله - سبحانه وتعالى - أعلم - القائل: " يأيُّها النَّاسُ اعْبُدُوا ربَّكُمْ" (البقرة: ٢١) إلى آخرها ٠)) (١)
وإذا ما نظرت في موقفه من تصاعد المعنى القرآني في سورة البقرة وتناسل تلك المعانى عند تأويله الآية التي يذهب إلى أنها خاتمة سورة البقرة على الرغم من أنها متلوة بثلاثين آية أخرى: "آية الكرسيّ" (٢) تسمعه قائلا:...
" ولمَّا ابتدأ - سبحانه وتعالى - "الفاتحة" كما مضى بذكر الذَات ثُمَّ تعرّف بالأفعال؛ لأنها مشاهدات، ثُمَّ رقَّى الخطاب إلى التعريف بالصّفات، ثُمَّ أعلاه رجوعًا إلى الذَات للتأهل للمعرفة ابتدأ هذه السورة [سورة البقرة] بصفة الكلام [يقصد قوله: ذلك الكتاب... ] ؛لأنَّها أعظم المعجزات، وأبينها، وأدلّها على غيب الذَّات وأوقعها في النّفوس لاسيّما عند العرب، ثُمَّ تعرف بالأفعال، فأكثر منها، فلمَّا لم يبق لَبسٌ أثبت الوحدانية بأيتها السابقة مخللاً ذلك بأفانين الحكم ومحاسن الأحكام وأنواع الترغيب والترهيب في محكم الوصف والترتيب، فلمَّا تمت الأوامر، وهالتْ تلك الزواجر، وتشوفت الأنفس في ذلك اليوم إذ كان المألوف من ملوك الدّنيَا أنَّهم لايكادون يتمكنون من أمرٍ من الأمورِ حقَّ التمكن من كثرة الشفعاء والرَّاغبين من الأصدقاء إذْ كان الملك منهم لايخلو مجلسه قطُّ من جمع كلّ منهم صالح للقيام مقامه، ولو خذله أو وجه إليه مَكْرَهُ ضَعْضَعَ أمره، وفَتَّ في عضده، فهو محتاج إلى مراعاتهم واسترضائهم ومداراتهم، بيَّنَ سبحانه وتعالى صفة الآمر بما هو عليه من الجلال والعظمة ونفوذ الأمر والعلو عن الصدّ والتنزه عن الكفر والنّدّ والتفرد بجميع الكمالات والهيبة المانعة بعد انكشافها هناك أتمَّ انكشاف؛ لأنْ تتوجه الهِممُ لغيره، وأن تنطق بغير إذنه، وأن يكون غير ما يريد؛ ليكون ذلك أدعَى إلى قبول أمره والوقوفِ عند نهيه
(٢) – السابق: ٤ /١٩٨