وما كان من أمثاله ونظائره واشكاله في تلك الأساليب المرادة غالبًا بالذَّات لغيره، فاستانست أنفس المنكرين له به، فصار لها استعداد لسماع الاستدلال عليه حتى ساق لهم أمر خليله - عليه السلام - والتحية والإكرام، فكان كأنَّه قيل: يامنكري البعث ومظهري العجب منه ومقلِّدي الآباء في أمره بالأخبار التي أكثرها كاذبٌ، اسمعوا قصة أبيكم "إبراهيم" - ﷺ - التي لقاكم بها الاستدلال على البعث وجمع المتفرق، وإعادة الروح بإخبار من لا يتهم بشهادة القرآن الذي أعجزكم عن الإتيان بمثل شيءٍ منه، فشهادته شهادة الله؛ لتصيروا من ذلك على علم اليقين بل عين اليقين...." (١)
فأنت تراه ساعيا إلى تبيان تصاعد المعنى القرآنِيّ وهيمنة المقصود الأعظم على تلك المعانى المتصاعدة يقينا منه بأنَّ المعنى القرآني في سياق السورة إنَّما هو خاضعٌ لسلطان معنى كلّيّ، وأنَّ المعاني الجزئية المشكِّلة لمعاني المعاقد التي منها قوام السورة القرآنية إنَّما هي معانٍ متصاعدة تؤسِّسُ من وجه ما لم يكن له ذكرٌ سابقٌ، وتؤكِّد من آخر ما سبق تأسيسه، وفي كلِّ تأكيد تأسيسٌ لما يقوم عليه البيان القرآنيُّ من منهاج تصريف المعاني.
هذان الأمران:
تصاعدُ المعاني وتناسلُها من جهة
وتصريفُ البيان عنها من جهة أخرى
من الخصائص الجليلة للسُّنَّة البيانيَّة في القرآن الكريم أنت لاتجدها في غيره على نحو ولو شديد المفارقة لها. وهذا فيما أزعم مَعْلَمٌ من معالم خصائص الإعجازالبياني للقرآن الكريم.
والبقاعي إذا ما تجلت لك عنايته بتبيان وجه انتظام المعاني في سورة البقرة وتصاعدها وخضوعها لسلطان معنى كلّي هو مقصودها الأعظم، فإنه يحرص في نهاية تأويله البيان القرآنيّ في سورة البقرة على أن يخلّص لنا القول في ترتيب معانيها على النحو المعجزِ الذي جاءت عليه قائلا:

(١) - نظم الدرر: ج٤ /٦٠ - ٦١


الصفحة التالية
Icon