" وسِرُّ ترتيب سورة " السنام " على هذا النّظام أنّه لمَّا افتتحها - سبحانه وتعالى - بتصنيف النَّاس الذين هم للدّينِ كالقوائم الحاملة لذي السَّنام، فاستوى وقام ابتداء المقصود بذكر أقرب السنام إلىأفهام أهل القيام، فقال مخاطبا لجميع الأصناف التي قدمها ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (البقرة: ٢١)
واستمر إلى أنْ بَانَ الأمرُ غاية البيان، فأخذ يذكر مِنَنَه- سبحانه- على النَّاس المامورين بالعبادة بما أنعم عليهم من خلق جميع ما في الوجود لهم بما أكرم به أباهم "آدم" - عليه السلام -، ثُمَّ خصّ العرب ومن تبعهم ببيان المنّة عليهم في مجادلة بني إسرائيل وتبكيتهم
وهو سبحانه وتعالى يؤكد كلّ قليل أمر الربوبية والتوحيد بالعبادة من غير ذكر شيءٍ من الأحكام إلا ما انسلخ منه بنو إسرائيل، فذكره على وجه الامتنان به على العرب، وتبكيت بني إسرائيل بتركه، لا على أنَّه مقصود بالذَّات.
فلمَّا تزكّوا، فارتقوا، فتأهلوا لأنواع المعارفِ قال مُعليًا لهم من مصاعد الربوبية إلى معارج الإلهية:
{وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ) (البقرة: ١٦٣)
فلمَّا تسنَّموا هذا الشرف لقَّنهم العبادات المزكية، ولقَّاهم أرواحها المصفية، فذكر أمهات الأعمال أصولاً وفروعًا الدعائم الخمس والحظيرة وما تبع ذلك من الحدود في المآكلِ والمشاربِ والمناكح، وغير ذلك من المصالح، فتهيؤوا بها، وأنَّها المواردات الغرَّ من ذي الجلال، فقال مرقِّيًا لهم إلى غيب حضرته الشَّمَاء ذاكرًا مسمَّى جميع الأسماء


الصفحة التالية
Icon