﴿اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾ (البقرة: ٢٥٥)
ولمَّا كان الواصلُ إلى أعلى مقام الحريّة لابد عند القوم من رجوعه إلى ربقة العبودية ذكر لهم بعض الأعمالِ اللائقةِ بهمْ، فحثَّ على أشياءَ أكثَرُها من وادِي الإحسانِ الذي هو مَقامُ أولى العِرفانِ، فذكرَ مثلَ النفقة التي هي أحدُ مباني السورة عقبَ ما ذكرَ مقامَ الطّمأنينةِ إيذانًا بأنَّ ذلك شأنُ المطْمَئنّ، ورغّب فيها إشارةً إلى أنَّه لامطمعَ في الوصولِ إلاَّ بالانسلاخِ من الدُّنيا كلّها
وأكثر من الحَثِّ على طيب المطعمِ الذي لابقاء بحال من الأحوال بدونه، ونهى عن الربا أشدَّ نهْيٍّ إشارة إلى التَّقنع بأقلّ الكفافِ، ونهيًا عن مطلق الزيادة للخواصّ، وعن كلّ حرام للعوام
وأرشدَ إلى آداب الدّينِ الموجبِ للثقة بما عند الله - سبحانه وتعالى - المقتضي بصدقٍ التوكل المثمر للعون من الله - سبحانه وتعالى - والإرشاد إلى ذلك، توفِّيَ النَّبيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا وهو متلبّسٌ بِهِ.
وبنَى - سبحانه وتعالى - كلَّ ثُلثٍ من هذه الأثلاث على مقدمة في تثبيت أمره وتوجه بخاتمة في التحذير من التهاون به.
وزاد الثالث لكونه الختام، وبه بركة التّمام أن أكَّد عليْهِمْ بعد خاتمته في الإيمان بجميع ما في السورة.


الصفحة التالية
Icon