وكأنّ البقاعي يشير بذلك إلى منهاج السورة في التدليل، فهي تتخذ ذكر النعم امتناناً دليلا على وحدانية المنعم وكمال علمه وقدرته واختياره وتنزهه عن شوائب النقص، وهذا ما تقوم عليه السورة، فأشعرنا البقاعي بصنيعه هذا حقيقة المنهاج الذي يقوم عليه البيان في السورة من التصريح باللازم لتحقيق وتأكيد الملزوم.
على أنّ بيان السورة يقيم جملا مصرحة بالوحدانية يقيمها في مواقع معينة من مساحة البيان فيها:
تجده في صدر المعقد الأول يقول - عز وجل -: ﴿أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاتَّقُونِ) (النحل: من الآية٢) ويقول في ختام تعديده مجموعة من نعمه الممتن بها والمدلّل بها على وحدانيته وعلمه وقدرته وتنزهه عن شوائب النقص (ي: ٢-٢١) :{إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ (النحل: من الآية٢٢)
ومن بعد أن يذكر مااعتراض به الكافرون على الدعوة ويقوضها (ي: ٢٤-٥٠) يصرح بالوحدانية
﴿وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾ (النحل: ٥١)
أنت إذ تتابع النظر في آيات السورة تجد أنها منسولة من معنى التدليل بالنعم على وحدانية الله - سبحانه وتعالى - وما يلزمها من الصفات الحسنى: كمال العلم والقدرة والاختيار
وإن تفاوتت دلالة الايات على هذا المعنى، فالسورة قائمة على منهاج تصريف البيان عن المعنى الواحد (المقصود الأعظم) بطرق مختلفة في وضوح الدلالة عليه
وهذا ليس خاصًّا بسورة " النحل" بل هو شاملٌ كلّ سورة من سور القرآن الكريم


الصفحة التالية
Icon