ولا أكاد أملّ تأكيد القول بأنّ علم البيان في البلاغة القرآنية ليس بالمحصور في " التشبيه والاستعارة والمجاز المرسل والكناية " فمن شاء أن يدرس سورة ما في ضوء منهاج علم البيان فإنّ عليه ألا يقتصر اجتهاده في التدبر والتأويل على هذه الأساليب في السورة بل يشمل تأمل وتدبر دلالة كل جملة وآية على المقصود الأعظم للسورة (المعنى الواحد) المتعين فيها، ودرجات الاختلاف في الدلالة وعلاقة هذا التباين بين سبل الابانة بالمعنى الجزئي والمعنى الكلّي، مرتكزًا على تأمل وتدبر النظم التركيبي والترتيبي للجمل والآيات والمعاقد
***
وإذا ما كان البقاعيّ معنيًّا بحقيق مقصود السورة التي هو بصدد تدبر منهاج البيان فيها فإنه - أيضًا - حريصٌ على مراجعة ما ينتهى إليه من استنباط المقصود الأعظم للسورة التي هو بصدد تأويل بيانها وبيان عظيم تناسب نظامها، فيبينُ لنا أحيانًا أنَّه قد أعاد النظر في تحقيق وتحرير مقصود السورة وبدا له ما هو أعلى مما كان قد أشار إليه من قبل، يقول في مفتتح سورة "الأعراف":
" مقصودها إنذارُ من أعرضَ عمَّا دعا إليه الكتابُ في السورة الماضية من التوحيد والاجتماع على الخير والوفاء لما قام على وجوبه من الدليل من الأنعام، وتحذيره بقوارع الدارين.
وهذا أحسن مما كان ظهرلي، وذكرته عند: ﴿وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (لأعراف: ٨) (١)
وهو في تفسيره تلك الآية يقول بعد بيانه معنى الوزن وأنّه بميزان حقيقي لصحف الأعمالِ أو للأعمال أنفسها بعد تصويرها بما تستحقه من الصور...