وننظر في تأويله بسملة سورة " النحل" وقد سبق أن بينت أنّ مقصودها الأعظم: التدليل بالنعم على وحدانية الله تعالى وكمال علمه وقدرته واختياره، فنراه يقول:
" (بسم الله) المحيط بدائرة الكمال فما شاء فعل)، (الرحمن) الذي عنت نعمته جليل خلقه وحقيره صغيره وكبيره، (الرحيم) الذي خصّ من شاء بنعمة النجاة مما يسخطه بما يرضاه " (١)
قوله (المحيط بدائرة الكمال) دون قوله: (المحيط بالكمال) إشارة إلى اتساع إحاطته بجميع أنواع الكمال بحيث تحيط بها دائرة تتجه فيها جميع أنواع الكمال نحو مركز الدائرة، وهو الذَات الإلهية، فلا تستطيع تحديد أوّل أنواع الكمال ولا آخرها، فكلّ ما يحتويه مظهره القولي والفعليّ يدور في دائرة الكمال الإلهيّ، ولا شكّ أنّ ذلك لن يكون إلا إذ كان مركز الكمال واحدًا فإذا كان واحدًا كان كامل العلم والقدرة وكامل الاختيار يفعل ما يشاء منزها عن شوائب النقص كلِّها
ويفسر اسم (الرحمن) بقوله: (الذي عمّتْ نعمته جليل خلقه وحقيره صغيره وكبيره) إشارة إلى أنَّه هو الذي أنعم على الإنسان وهداه إلى ما فيه استقرار معيشته ودلّه على وسائل تحصيل ضرورات حياته وكمالاته، وهو الذي أنعم على أحقر المخلوقات حجما من الدواب والحشرات بذلك أيضًا، كذلك هو الرحمن الذي أنعم بالوحي على أكمل الخلق صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا ما فيه سعادة الدارين وهو الذي أوحى إلى حشرة النحل وألهمها ما فيه سعادتها وسعادة غيرها، ولايستطيع تعميم ذلك إلا من كان واحدًا كامل العلم والقدرة يفعل ما يشاء وهذا هو مقصود السورة

(١) – السابق: ١١/١٠١


الصفحة التالية
Icon