وأنت تراه يذكر قوله (جليل خلقه) اولا، ويختم بقوله (وكبيره) وفي هذا نظر منه إلى اللف الدائري، فذلك مما عُنيَ البقاعيّ بالنظر فيه، فيكاد يُقيم نظرَه في التناسب القرآني على أساس نظرية النظم الدائري للبيان سواء في بناء الآية أو المعقد أو السورة بل القرآن الكريم كلّه
ويفسر اسم (الرحيم) بقوله:" الذي خصّ من شاء بنعمة النجاة مما يستخطه بما يرضاه " إشارة إلى أنَّه الذي خصَّ النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا بإنزال القرآن الكريم عليه (ي: ٤٤) وبالتبشير بالإسراء (ي: ١٢٧)
وخص الخليل أبا الأنبياء إبراهيم - عليه السلام - بانْ جعله قدوة النبيّ محمد صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا (ي: ١٢٣)
وخصّ المسلمين بالقرآن الكريم منهاج حياة فأنجاهم من سخطه بالدين الذي ارتضاه لهم (ي: ٨٩)
وخصّهم بأنْ أحلّ لهم كثيرًا ممَّا حرم على غيرهم (ي: ١١٤)
وخصّهم بقبول يوم الجمعة الذي رفضه غيرهم من أهل الكتاب من قبلهم فكان بركة على الأمة المحمدية (ي: ١٢٤)
وخصّ النحلَ بدقة الفهم في هندسة البيوت ورعايتها لشئونها بنظام يستمد منه الإنسان كثيرًا من منهاجه (ي: ٦٨-٦٩)
وهذا لايكون إبدا إلا من واحد كامل العلم والقدرة يفعل ما يشاء
كذلك يتبين لك منهاج البقاعيّ في تأويل معاني البسملة في سورة النحل على وفق مقصودها الأعظم وهو المعنى الكليّ الذي جاءت كلّ آياتها لبيانه بطرق مختلفة في وضوح دلالتها عليه
***
وأنت إذ تنظر في صنيعه هذا يتبين لك أنَّ ما يؤوّل به البسملة لا يستنبطه من مقصود السورة بل هو يذكر من المعاني ما يتواءم مع ذلك المقصود، فليس منهاجه في هذا المبحث خاصّة منهجا استنباطيا بل منهاجه توفيقيا يذكر ما يتوافق مع ما تبين له من ذلك المقصود، وكل ما التزم به الأصول الكلية لمعانى الأسماء الثلاثة: "الله" و"الرحمن" و"الرحيم".