ينزعون من الرغبة عن القول بالتكرار اللفظي والدلالي للكلمات في سياقات مختلفة، وأنَّ الكلمة وما فوقها لاتأتي إلا مرة واحدة وليس لها إلا موضع واحد، فإذا أقيمت في مقام آخر فما هي بالتي كانت من قبل، وهذا يعنى أن الوجود الدلالي للكلمة يتجدد بتجدد مواقع الكلمة وما فوقها، وأنَّ القول بالتكرار البياني في الخطاب العالي فضلا عن الخطاب العَلِيِّ المعجز إنما هو قولٌ مفتقر إلى التحرير العلمي، ومن ثَمَّ لايعرف عَالَمُ البيان التناسخ بين مكوناته ومكنوناته، فهو عَالَمٌ قائم من متجدّدات، وكأنَّ لعالَم البيان من عالَم الجنة مثلا: تتشابه ثماره ولا تتوحد بل تتجدد وتتعدد: ﴿كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ (البقرة: من الآية٢٥)
وعلى هذا يكون جديرًا بمن يقوم للإبحارِ في قَمامِيسِ التأويل البياني للقرآن الكريم أن يكون على ذكرٍ من أنَّ البيان القرآنيَّ خلاء من التكرار التأكيديّ الذي لايضفي جديدًا حميدًا على ما سبق تأسيسه.
وأن يكون على ذكرمن أنَّ البيان القرآنيَّ ذو خصيصتين عظيمتين
الأولى: خصيصة تناسل المعنى القرآنيّ وتصاعده
والأخرى: خصيصة التصريف البياني.
هاتان الخصيصتان أراهما من أشمل خصائص الإعجاز البياني للقرآن الكريم من بعد خصيصة إقامة الشعور بجلال القائل في قلب المتلقى المعافي من داء الغفلة.
المعلم الرابع.
براعةُ الاستهلالِ وعلاقتُه بمقصودالسورة
لكلِّ سورة من سور القرآن الكريم ولاسيّما الطُّول والمئين مفتتح من الآي يكون استهلالا بديعًا مشيرًا إلى جوهر المعنى الكليِّ الذي يقوم في السورة