وإذا ما كنا قد رأيناه يؤول البسملة بما يتناسب مع مقصود السورة إشارة إلى أنَّ في البسملة براعةَ استهلالٍ، مثلما يرى في اسم السورة براعة استهلالها بمعناها الكلى ومقصودها الأعظم على نحو ما سبقت الإشارة إليه، فإنَّ من فوق هذا استهلالَ الآياتِ الأول من السورة بمعناها، فيكون في كلِّ سورة ما يشير إلى معناها الكلي: اسمها وبسملتها والآية أو الآيات الأول منها.
والغالب على البقاعيَّ ان لايُعيّن لنا مطلعَ السورة واستهلالها، ولكنَّه يلمح إلى ذلك في أثناء تأويله، وكذلك قد يُفهم التعيين من موضع ذكره ما ينقله في مفتتح كلِّ سورة من كلام "أبي جعفر بن الزبير " في تناسب السور من كتابه "البرهان" ويزدادُ الأمرُ وضوحا في ختام تأويله السورة حين يَرُدُّ مقطع السورة على مطلعا:
في سورة "البقرة" يكون مطلعها من أولها إلى قوله - عز وجل -: ﴿أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (البقرة: ٥) وما بعده من ذكر الذين كفروا، والمنافقين استكمال للاستهلال، ليبدأ موضوع السورة بقوله - سبحانه وتعالى - {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة: ٢١)
وهذا المطلع فيه استهلال بمقصود السورة الأعظم: إقامة الدليل على أنَّ الكتاب هدى ليتبع في كلّ ما قال، وأعظم مايهدي إليه الإيمان بالغيب"
وهذا ما ركزعليه المطلع كما لايخفي، فقد صرح بجعل قاعدة وأصل صفات المتقين الذين كان الكتاب هدى لهم إنّما هو الإيمان بالغيب، وجعل رأس صفاتهم في الآية الأولى من وصف المتقين: ومما رزقناهم ينفقون، وجعل رأس صفاتهم في الآية الثانية من وصف المتقين أنَّهم بالآخرة هم يوقنون.