﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾ (النساء: من الآية١) فإن في هذا المطلع مايصرح بمقصود السورة من نحو قوله - جل جلاله -: ﴿خلقكم من نفس واحدة﴾ وقوله - سبحانه وتعالى -: ﴿الذي تساءلون به والأرحام﴾ وقوله - جل جلاله -: ﴿إنّ اللهَ كانَ عليْكُم ْرَقِيبًا﴾ فهذه الجمل كالمصرحة بمعنى الاجتماع على أمر عظيم، وأعظم ما يجتمع عليه هو توحيد الله - سبحانه وتعالى -، وهو اجتماع يحقق معنى التواصل الرحمي الذي به قيام الوجود الإنساني، وهذا هو المقصود الأعظم لسورة النساء، ليبدأ تفصيل البيان عن هذا المقصود بقوله: " وآتُوا اليتامي... إلخ " (١)
وأنت ترى السورة قد قام فيها من الأحكام والآداب ما يه تحقيق البناء المحكم المتراحم المتلاحم للأسرة والأمة، فتجتمع على ما فيه مرضاة ربها عز وجلَّ.
والبقاعيُّ يناظر استفتاح هذه السورة بقول الله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) (النساء: ١)
بافتتاح سورة "الحج " بقول الله تعالى:
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ﴾
(الحج: ١)
وكيف أنَّ مقصود كلّ سورة هو الذي اقتضي أن يكون وصف الربّ المأمور باتقائه في أول كل سورة بغير ما وصف به في الأخرى، بل هو ناظر إلى موقع كلّ سورة من السياق القرآني المديد
يقول في تأويل مطلع سورة "النساء":
" وقد جعلَ سبحانه الأمر بالتقوى مطلعًا لسورتين:
هذه وهي رابعة النصف الأوَّل والحج وهي رابعة النصف الثاني، وعلَّلَ الأمر بالتقوى في هذه بما دلّ على كمال قدرته وشمول علمه وتمام حكمته من أمر المبدأ.

(١) - نظم الدرر ٥ /١٧٦


الصفحة التالية
Icon