وعلَّلَ ذلك في الحج بما صوَّر المعاد تصويرًا لا مزيد عليه، فدلّ فيها على المبدأ والمعاد تنبيها على أنه محط الحكمة، ما خلق الوجود إلا من أجله؛ لتظهر الأسماء الحُسْنَى والصِّفاتِ العُلَى أتمَّ ظُهورٍ يمكن البشر الاطلاع عليه.
ورتّبَ ذلك على الترتيب الأحكم، فقدم سورة المبدأ على سورة المعاد؛ لتكون الآيات المتلوة طبق الآيات المرئية " (١)
***
وللبقاعي عناية طيبة ببراعةِ استهلال السور الخمس بـ"الحمد لله "، وهي سور: الفاتحة والأنعام والكهف وسبأ وفاطر،
وكيف أنَّ مقصود كلّ سورة هو الذي اقتضى أن تسفتح بغير ما تستفتح به الأخرى وإن شاركتها في الابتداء بالحمد لله.
وهو في هذا معتمدٌعلى مقالة لـ"السعدالتفتازانيّ" في مقدمة كتابه "التلويح على شرح التنقيح" في أصول فقه الحنفية لصدر الشريعة نقلها عنه البقاعيّ في تأويله سورة الفاتحة قائلاً:
" وقد أشير في "أم الكتاب - كما قال العلامة سعد الدين مسعود بن عمر التفتازانيّ الشافعيّ - إلى جميع النعم، فإنَّها ترجع إلى إيجاد وإبقاء أولاً وإلى إيجاد وإبقاء ثانيا في دار الفناء واالبقاء
أمَّا الإيجاد الأول فبقوله - سبحانه وتعالى - ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ (الفاتحة: ٢)
فإنَّ الإخراج من العدم إلى الوجود أعظم تربية.
وأمَّا الإبقاء الأوّل فبقوله - عز وجل -: ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ أي المنعم بجلائل النعم ودقائقها التي بها البقاء.
وأمَّا الإيجاد الثاني فبقوله - جل جلاله - ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾، وهو ظاهر.
وأمَّا الإبقاء الثاني فبقوله: ﴿إيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ إلى آخرها، فإنَّ منافع ذلك تعود إلى الآخرة.
ثُمَّ جاء التصدير بالحمد بعد الفاتحة في أربع سور أشير في كلّ سورة منها إلى نعمة من هذه النعم على ترتيبها. " (٢)
(٢) ؟ ١ - نظم الدرر: ١/٤٥-٤٦