[أي أنَّ إفصاح الكوثر توكيد للإفهام الماعون] وكانت: "الدّين" قد ختمت بأبخل البخلاء، وأدنى الخلائق: المنع تنفيرًا من البخل، ومما جرّه من التكذيب، فابتدئت "الكوثر" بأجود الجود والعطاء لأشرف الحلائق ترغيبًا فيه وندبا إليه [أي أنَّ إفصاح الكوثر مقابل لإفصاح الماعون]، فكان كأنَّه قيل: أنت ياخير الخلق غيرمتلبس بشيءٍ ممانهت عنه تلك المختتمة بمنع الماعون (إنَّا... أعطيناك... الكوثر) الذي هو من جملة الجود على المصدقين بيوم الدين. " (١)
تبين لك علاقة الكوثر بالدّين وأنها علاقة تقابل بين إفصاح السوتين من جهة وتناظر بين إفصاح الكوثر وإفهام "الدِّين" من أخرى.
وتبين لك استهلال "الكوثر" بالإفصاح تقرير العطاء الإلهي للنبيّ - ﷺ -
فإذا نظرت في خاتمتها ﴿إنّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ﴾ رأيت في بناء نظمها دلالة على أن القطع والمنع من كلّ خير حسيّ ومعنوي مخصوص بشانئ المكرّم المبجّل - ﷺ -، وهذا يفيد إفهامًا أنّه - ﷺ - هو الموصول بجليل العطاء الممنوح كلّ خيرٍمُمْكِنٍ، فما أفاده مقطعُها ترتيلاً هو ما دلَّ عليه إفصاحُ مطلعِها تلاوةً، فكان التَّناسُب الماجِدُ بيْن المقطعِ والمطلعِ.
يقول البقاعي:
" ولمَّا أمره باستغراق الزمان في عبادة الخالق، والإحسان إلى الخلائق بأعلى الخلائق علَّله بما حاصله أنَّه لاشاغل له ولا حاجة أصلاً تُلِمُّ به، فقال: ﴿إنّ شانئك... هو﴾ أي خاصة ﴿الأبتر﴾ أي المقطوع من أصله والمقطوع النسل والمعدم والمنقطع الخير والبركة والذكر، لايعقبه من يقوم بأمره ويذكر به وإن جمع المال، وفرغ بدنه لكلّ جمال، وأنت الموصول الأمر النَّابه الذكرِ، المرفوع القدرِ، فلا تلتفت إليهم بوجه من الوجوه، فإنّهم أقلّ من أن يبالي بهم من يفرغ نفسه للفوز بالمثول في حضرتنا الشريفة...

(١) - نظم الدرر: ٢٢ /٢٨٧


الصفحة التالية
Icon