فالآية الأخيرة النتيجة؛ لأنَّ من الكوثر عُلُوُّ أمره وأمر محبيه، وأتباعه في ملكوت السماء والأرض ونهر الجنة وسفول شأن عدوه فيهما.
فقد التفَّ كما ترى مفصلها بموصلها، وعرف آخرها من أولها، وعلم أنّ وُسْطاها كالحدودالوسطى، معانقة للأولى بكونها من ثمارها، ومتصلة بالأخرى، لأنها من غايات مضمارها" (١)
والقول بردّ المقطع على المطلع أو العجز على الصدر كما يقول البلاغيون هو مما عني به البلغاء المبدعون في عالم البيان العالي قديما ومما لفت إلى قدره البلاغيون الناقدون، فقد جعله "ابن المعتز" في كتابه: " البديع" الركن أو الباب الرابع من أبواب البديع الخمسة التي أقام عليها كتابه البديع
وإذا ما كانت عناية البلاغيين في هذا الأسلوب إلى توافق كلمة في عجز البيت أو الفقرة مع أخرى تقدمتها توافقًا في المنطوق قد يجتمع إليه توافق في المفهوم (المعنى) وقد لايتوافق، فإنَّ الأمرَ هنا عند البقاعي يتجاوزُ أوَّلاً التَّوافُقَ الصَّوتِيّ إلى التوافق الدَِّلاليّ، ويتجاوزُالتَّوافقُ مجال الكلمة إلى مجال أرحب قد يبلغ عدة آيات.
وفي هذا نقل لأسلوب رد الأعجاز على الصدور من التحسين اللفظي عند البديعيين إلى النظم الترتيبي القائم بعلائق المعاني بعضها ببعض عند "البقاعي" وذلك الضرب من النظم هو العليّ الحميد.
***
المعلم السادس.
علائقُ الآياتِ في بناء المَعْقِدِ
السورة القرآنية في بنائها الدائريّ المنسول أجزاؤه من محور رئيس: ﴿مقصود أعظم﴾ تدورعليه، ويهيمن علىمكوِّناتهاومكنوناتها يتكون ذلك البناء من معاقد وكل معقد من آيات متناسبة متناسلة
وقد أشرت قبل إلى أنَّ السورة في البيان القرآنيّ مكونة من معاقد وكل معقِد مكوّنٌ من آيات، وكلّ آية من جُمل وكل جُملة من كلمات
وأنّ منزل الكلمة من الجملة منزل العضو من الفرد
ومنزل الجملة من الآية منزل الفرد من الأسرة

(١) - السابق: ٢٢ /٢٩١


الصفحة التالية
Icon