" ولمَّا ذكر عداوتهم لأخصّ البشر واجتراءهم عليه بالتكذيب والقتل، وختم ذلك بعداوتهم لأكمل الخلق، وأخصهم حسدًا حسدًا لنزولِ هذا الذكر عليه عبارةً ثُمَّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّ إشارةً بما رمزه إلى نصبهم لقتلِهِ، وأنهى ذلك بما لامحيص لهم من العذابِ؛ لأنَّه بصيرٌ بأعمالهم الموجبة له ذكرَ ما هو دقيق أعمالهم من عراقتهم في الكفر بعداوتهم لخواصّ الملائكة الذين هم خيرٌ مَحْضٌ لاحامل أصلاً على بغضهم إلاَّ الكفرُ، وبُدئ بذكر المنزّل للقرآن [يعنى المأمور بحمل الوحي وإنزاله: جبريل - عليه السلام -] ؛ لأنَّ عداوتهم للمنزل عليه لأجل ما نزل عليه عداوة لمنزله؛ لأنَّه سبب ما كانت العداوة لأجله، فقال آمرًا له - ﷺ - إعلامًا بما أبصره من خفيّ مكرِهم القاضِي بضُرهم (قل).
أو يقال - وهو أحسن وأبين وأمتن - ولمَّا أمره - ﷺ - بما دلَّ على كذبهم في ادعائهم خلوص الآخرة لهم، وأخبر بأنه لابد من عذابهم أمره بدليل آخر على كلا الأمرين، فعلى تقدير كونه دليلاً على الأول يكون منسوقًا على (قل) الأولى بغير عاطف إشعارًا بأنَّ كلاًّ من الدليلين كاف فيما سيق له، [و] على تقدير كونه دليلاً على الثاني الذي خصَّه يكون جوابًا لمن كأنَّه قال: لم لا يزحزحهم عن التعمير عن العذاب " (١)
فهذا من البقاعي تقليب لوجوه النظر وسعي إلى تتبع منابع العلاقة بين الآيات لما يتسم به البيان القرآن الكريم من تعدد وجوه البيان سواء المتحقق من نظمه التركيبي، أو الترتيبي، بل الترتيبي أكثر وألطف
ويقول في بيان علاقة قول الله - سبحانه وتعالى -:
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَام) (آل عمران: من الآية٤)