" ولمَّا فرغَ من ترغيبهم في القرآن بأنَّه من عند الله - سبحانه وتعالى -، وأنَّه مصدقٌ لكتابهم، وفي جبريل - عليه السلام - بأنَّه الآتي به بإذن الله - عز وجل - ومن ترهيبهم ممن عداوتهم أتبعه مدح هذا القرآن، وأنَّه واضح الأمر لمريد الحقّ وإن كفر به منهم أو من غيرهم فاسق أي خارج عما يعرفُ من الحقّ فإنَّه بحيثُ لايخفى على أحد، فقال تعالى عطفا على قوله ﴿فإنَّه نَزَّله عَلَى قَلْبِكَ بإِذْنِ اللهِ﴾ (ي: ٩٧)، أو قوله - عز وجل -: (ولقدْ جاءَكُمْ مُوسَى بالبيناتِ} (ي: ٩٢)، أو على ما تقديره: فلقد بان بهذا الذي نزَّله جبريلُ - عليه السلام - أنَّ الآخرة ليست خالصة لهم، وأنهم ممن أحاطت به خطيئته لكفره ﴿ولقد أنزلنا..﴾. " (١)
وقارئ تفسير البقاعي يلحظ غلبة ذهابه إلى العطف على مقدر، وكأنَّه يشير بهذا إلى أنَّ القرآن الكريم إنما تشتد وثاقة المعانى اللازمة بما هي لازمة له من المعانى المصرح بها فيكتفى بدلالة هذه الوثاقة عن التصريح بذكر هذه المعانى اللازمة المعطوف عليه ما بعد المصرح به فيأتي بما بعد العاطف مردودًا على مقدر هو في شدة اقتضاء البيان له كالمصرح بذكره.
وبهذا يكون النسيج البياني لمعانى القرآن الكريم قائما على منهاج الحبك الذي تختفي فيه بعض خيوط الإبريسم في نسيج الديباج فلا تكاد تظهر للعين العارضة ولكنها تظهر للبصيرة النافذة، ومن ثَمَّ ترى غلبة الذهاب إلى الإيجاز بالحذف عند البقاعي في تأويله نسق البيان القرآنيّ، ولا سيما حذف المعطوف عليه المقدر من رحم المعنى في الجملة السابقة المصرح بذكرها.
والبقاعي قد يذهب إلى عطف آية على أخرى تسبقها بأكثر من أربعين آية كما تراه في عطف قول الله - سبحانه وتعالى -