وإذا ما كان الأمر توقيفا فلا بد أن يكون من وراء ذلك حكمة ذات منزلة عليه في مناط الإعجاز القرآنيّ: الإعجاز البيانيّ، فكان ضرورة أنّ ثَمَّ علاقةَ تناسبٍ وتناسلٍ بين لآيات السورة الواحدة، وأن كلّ آية ليست بمقطوعة الرحم من سابقتها ولاحقتها
المعلم السَّابع.
تأويل النظم في القصص القرآني
قد جاء البيان القرآنيّ عن مراد الله - سبحانه وتعالى - من عباده مازِجًا بين سياقين:
سياقٍ تشريعِيِّ عمادُه الأمرُ والنَّهي على اختلاف مسالكهما وصورهما
وسياقٍ تثقيفيٍّ عماده الترغيب والترهيب.
ولا يكاد سياق منهما يتجرد من صحبة الآخر، فهما قائمان معا، وإن تباينت درجات ظهور أحدهما ولطف الآخر.
والقصص القرآنيِّ الكريم ضرب من ضروب التثقيف النفسيّ والقلبيّ ترغيبًا وترهيبًا، تدرك البصائر النافذة في غوره فيضًا من درجات التكليف بالمعاني الإحسانية لطائفة ارتقت في مسيرها إلى ربّها من الدرجة الدنيا من درجات الطاعة لله - عز وجل - إلى درجة أعلى: ارتقت من سن " الذين آمنوا " إلى سنِّ " المؤمنين " ومن فوقهم إلى شرف سنِّ " المحسنين " الذين يعبدون الله - سبحانه وتعالى - كأنَّهم يروْنه رأي بصيرة.
والقرآن الكريم يقرر مَنْزِلَ القصصِ ورسالته الجليلة في آيات عِدَّة كريمة:
﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ (آل عمران: ٦٢)
﴿فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (الأعراف: ١٧٦)
﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ﴾ (يوسف: ٣)


الصفحة التالية
Icon