﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ (يوسف: ١١١)
ونظرة متأنية في بيان هذه الآية الأخيرة التى تختم بهاسورة" يوسف " القائمة بقصة تامة لم يتكرر مشهد من مشاهدها على غير ماهو السنة البيانية في القرآن الكريم للقصص القرآني تغريك بالتأمل في قوله - عز وجل -: ﴿عِبْرَةٌ لأُُولِي الألْبَابِ﴾ وكأنَّ في هذا إشارة إلى أنّ العبور من الانشغال بظاهر الحدث المقصوص في ذلك القصص وما قام منه المشهد القصصيّ فيها إلى ما هو الغاية المنصوبة المساق لها هذا القصص إنما يكون من أولي الألباب، الذين يُنيط القرآن الكريم بهم التذكر الذي هو استحضار ما كان للمرء معه صحبة علم سبق، فالقصص القرآنيّ الكريم إنّما هو للاعتبار.
وبالتأمل في قوله - سبحانه وتعالى -: ﴿ما كان حديثًا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه، وتفصيل كلّ شيء..﴾ فهذا كاشف عن حقيقة هذا القصص الذي لايتأتى لأي قصص آخر أن يدانيه فيه، والذي لن يتأتى لما تقذف به الأزمان أن يقوم فيها ما يكذب أمرًا منه جليلا أو دقيقًا.
وبالتأمل في قوله - سبحانه وتعالى -: ﴿وهدى ورحمة لقوم يُؤْمِنون﴾ فهذا دالّ دلالة بيّنة على أن هذا القصص إنما يهتدي به على نحو يليق بقدره من كان قائمًا بالإيمان بأنّ ما يسمع من ذلك القصص ليس افتراء ولا نتاج خيال وهيام في كلّ واد ولكن تصديق االذي بين يديه من الكتب الحق التي أنزلها الله - عز وجل - على رسله عليهم السّلام
وكأنَّ عجز الآية ناظر إلى صدرها، فهي من قبيل الرد المعنوي للمقطع على المطلع " العجز على الصدر "
وفي هذا من القرآن الكريم هداية نيّرة باهرة تَفْصِلُ بين حقيقتين: